مقالات

المرأةُ الكرديّة… من زخَمِ التاريخ …إلى تغيير الواقع

narintmoلطالما تبقى الانطلاقةُ صعبةً، ولطالما يبقى الكلامُ عاجزاً عمّا يدور في فلك النفس والذهن، إنها التراجيديا الإنسانية التي بدأت بالمرأة وانتهت بها، لكم يُحزننا التعرّف على ماضي المرأة المشرق، عندما نصول ونجول  في أغواره، لا سيما عندما نقارنه بما آل إليه وضع المرأة في العصر الحالي، الذي هو مُتعارف عليه بأنه عصرُ العلم والتقدّم والتكنولوجيا والحضارة. إن ماضي المرأة حافلٌ بالمعجزات والإبداعات البشرية، لكنّ كتبَ التاريخ المدوّنة بأيدٍ ذكوريّة سلطوية دأبت على طمس معالمِها. المرأةُ التي كانت تديرُ الحياةَ والمجتمعَ والقبيلة والمنزلَ والأولاد والصغار والكبارَ إدارةً حكيمة ومُسالمة وحافلةً بالإبداعات ، فقد كانت السبّاقة في اكتشاف الزراعة التي منها انطلقت الثورة النيوليتية، التي تُعتبر من أولى الثورات العلمية التي لا تقلّ قيمةً عن الثورة الصناعية والتكنولوجية، وعلى العكس تماماً على أساسها تم اكتشاف باقي الثورات، ومن الثورة النيوليتية انطلقت إبداعات علم الحياة والفلك والإنسان والرياضيات والاجتماع والفلسفة، وَمِمَّا هو لافتٌ للنظر إنه طوال حُكم المرأة الذي امتدّ لألاف السنيين لم يكن هناك حروب أو قتل أو دمار أو فتك للإنسانية، إنما كان العالم يشهد السلامَ والاستقرارَ وحتى الإيكولوجيا كانت تشهد الراحة. إن التدرّجَ في التآمر على إدارة المرأة امتدت لآلاف السنين ، هذا التدرجُ حملَ معه المزيدَ من الإنكار والطمس والإمحاء، إلى أن توصّلنا اليوم إلى عصرٍ تشهد فيه المرأةُ أشنعَ مراحل حياتها، دون إدراكٍ منها، فقد حوّلتِ الحداثةُ الرأسمالية المرأةَ إلى أفضل وسائلٍ لاستخدامها في حربها المُشينة على القيم والأخلاق والمجتمع واستعباد الإنسان وإنكاره، وجسدُ المرأة المُستغلّ باسم الحرية الفردية هي أحسنُ أداةٍ لإتقان هذا الدور، لكنّ الذي يدعو للأسف والاشمئزاز إن المرأةَ الأوربية والأميركية وقعت في هذا المستنقع، هذا بالإضافة إلى بعض المحاولات من المرأة الشرق أوسطية لنيل هذه الحرية المزعومة.

إنّ من أهمّ أسباب النهضة الأوربية هو الفصلُ بين الدين والدولة، ورجوع المفكرين والعلماء إلى تاريخ الحضارات الزاخرة واقتباس كل ما هو في صالح تطورهم وتقدمهم، بغضّ النظر عن المصدر ، وإني أرى هنا نقطة الالتقاء كما أَدركَ المفكرون الأوربيون وهي أهمية الماضي الغابر، فإنَ المرأة الكردية كذلك وعتْ هذه الحقيقة التاريخية وأدركت أهميتَها،  وخاصةً عبر كتب ومرافعات القائد عبدالله أوجلان الذي فتح باب التاريخ المشرق للمرأة على مصراعيه، فانتهلت منها المرأةُ الكردية ما يلزمها للعودة إلى تاريخها الزاخر والانطلاق منه إلى تغير الحاضر المعاش، وتقول بقوة أفعالها “لا لعبودية المرأة وكفاكم عبثاً بِنَا وبإنسانيتنا وبكرامتنا وإرادتنا” ولم تقف ها هنا فقط إنما تعدّتهُ إلى تغيير مسار حياتها، فهي المرة الأولى في التاريخ التي تشهد ثورةً ضمن ثورة ، ألا وهي ثورة المرأة ضمن ثورة روجآفا، الثورة المجتمعية وتغيير الذهنية وثورة النهوض والتمرّد على الذهنية والعقلية الذكورية إلى ثورة المقاومة وحمل السلاح والدفاع عن الأرض والشرف والكرامة وتقديم المئات من الشهيدات. المرأة الكردية المناضلة اجتماعياً ومعرفياً وثقافياً وإيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً كانت سمةً من سمات القرن الواحد والعشرين، وتركت بصمةً على جدار الزمن، واستقطبت الانتباهَ والأذهانَ والوجدان والأفكار والحكوماتِ والأقاليمَ، لتخشعَ مُعترفة بكينونة المرأة الكردية التي ترفض الذل والهوان، وتكافح بلا هوادة لتغيير التاريخ المُعاش ولتدوين تاريخٍ جديد من صُنع المرأة الكردية وبأيادي حاملة الرسالة. إنها المرأةُ المناضلة المضحيّة في سبيل وطنها وأرضها، التي دخلت في معركة إثبات النفس أمام ذاتها أولاً ثم أمام المجتمع ثانياً، المجتمع الذي يجترُّ طاقاتِ المرأة بلا هوادة، ولكنه يرفض الاعترافَ بها وبهويتها وشخصيتها وإرادتها وحريتها، المرأة المسكينة التي لا حول لها ولا طاقة والتي فقط هي أداةٌ للإنجاب والخدمة والمُتعة في نظر الرجل والمجتمع، تتحدّى هذه الأفكارَ البالية والعاداتِ الاجتماعية العشائرية وترفعُ رأسَها المطمورَ في الرمل لعقودٍ من الزمن، وتقول لا. لا للعيش في هذا الواقع الأليم، وتتسلّح بالعلم والمعرفة والجَمال الروحي، وترفضُ التحوّل إلى مجرّد وسيلة للمتعة والتسلية، وتقول للعالم إن وراء هذا الجسد الناعم أسطورة تستطيع الأجيال أن تتغنّى بها لسنين وسنين ، وتصبح بارقة أمل على صفحات التاريخ، للاعتراف بامرأةٍ لم تنهضْ فقط من واقعها الأليم وإنما كانت الطليعةَ في الدفاع عن نفسها وشعبها وقضيتها ، ولم تكن قط أقلّ وجوداً أو جسارة في الدفاع عن أرضها وتقديم روحها الجميلة رخيصةً جداً فداءً لوطنها وأرضها وشعبها. إنها أسطورة المرأة الكردية التي فجّرتها في القرن الحادي والعشرين كما فجّرت غيُرها من نساء العالم أساطيرَ لا زال التاريخ الأوربي والأميركي يزخر بهما، لكنها لم تصلْ إلى مستوى المرأة الكردية التي لقّنت العالمَ دروساً في القوة والتضحية والإباء. إنها صانعةُ ثورة روجآفا وحاملةُ رسالتها للعالم.

نارين تمو

زر الذهاب إلى الأعلى