مقالات

المؤامرة والذاكرة المتجدّدة

slah-muslimصلاح الدين مسلم

ظلّت النخبة التي احتكرت زمام السياسة والثقافة الكرديّة تروّج لمبدأ حرّيّة الفرد، وأضحت تنادي بعدم تقديس فرد سوى ذاتك، وعدم تأليه إنسان واحد غير نفسك، وأنّ القائد عبد الله أوجلان هو شخص وليس قضيّة، ولا يوجد فرد يمثّل قضيّة الشعوب، وأنّ مسألة تمجيد هذا الشخص وصلت إلى مرحلة الألوهيّة وهي ضدّ مبدأ الحرّيّة، ويجب على الكرد أن يتخلّوا عن تقديس الأشخاص، وأن يتبنّوا فكراً حرّاً؛ وهو أنّ الذات مقدّسة ويجب أن يخضع الإنسان إلى ذاته فحسب، ولا سلطة على الإنسان إلّا سلطة حرّيّته الفرديّة، فهو حرّ في اعتناق أيّ فكر يخدم ذاته الفرديّة.

ظلّت هذه الأطروحات الجديدة التي انبثقت مع الثورة الفرنسيّة قبل قرنين من الزمان هي الجبهة المضادة للتيار المجتمعيّ الذي يقول: – إنّ القائد والمفكّر والفيلسوف والثائر عبد الله أوجلان هو قائد الشعب الكرديّ، وهو صاحب نظريّة إخراج المجتمع الكرديّ من بوتقة المتأثّر إلى حقل المؤثِّر، وصاحب تركيبة الأمّة الديمقراطيّة والإدارة الذاتيّة التي أخرجت القائد من بوتقة قيادة الشعب الكرديّ إلى قيادة جميع الشعوب مسلوبة الإرادة.

من هنا أثبت القائد نظريّة الحرّيّة الاجتماعيّة عوضاً عن الحرّيّة الفرديّة، ولا يمكننا عرض نظريته في هذه الزاوية الصغيرة، إنّما نستطيع أن نستشف سبب تكاتف الدول العظمى مع إسرائيل وتركيا لحبك مؤامرة لإلقاء القبض على القائد قبل سبعة عشر عاماً.

لكن لم تستطع جدران سجن إيمرالي الأربعة أن تمنع من المقاومة الكرديّة عبر شخص القائد، واستطاع عبر المحاكم الأوروبيّة الصوريّة وقوانين الدول القوميّة المتّحدة؛ أي من خلال وسائل الرأسماليّة وقنواتها نفسهِا أن يفضح المؤامرة، ويعرّي الحداثة الرأسماليّة، ويرسّخ نظريته ومقاومته.

من هنا يمكنّنا أن نتساءل؛ أكان القائد شخصاً أم كان أمّة؟! وإن كان هناك الكثير من الكرد يعتنقون مبدأ القائد فلماذا تمّت محاولة تصفية هذا التيار من قبل النظام العالمي من خلال مؤامرة القرن بعد سلسلة من المؤامرات ابتدأت باتّفاقية سايكس بيكو وانتهت باعتقال القائد بطريقة استخباراتيّة مُحكَمة ساهمت فيها أقوى الدول العالميّة؟ ألم تكن هذه المؤامرة تقع في سلسلة إمحاء الكرد عن الخريطة، وإقحامهم رغماً عنهم في تيار الحرّيّة الفرديّة؟ لأنّ أتباع القائد هم الوحيدون الذين لم ينخرطوا في النظام العالميّ المهيمن عبر اعتناق مبدأ الرأسماليّة والأيديولوجيّة الليبراليّة التي تستطيع تمرير بضاعتها في نظام الحرّيّة الفرديّة، وعبر موقع الكرد الذي يربط ما بين الغرب والشرق.

هناك الكثير من التحليلات والقراءات التي تحلّل هذه المؤامرة، لكن لتنشطِ الذاكرة الكرديّة وذاكرة الشعوب الديمقراطيّة قليلاً ولتراقبِ الحاضرَ بعين الماضي وتحلّل المستقبل من خلال قراءة التاريخ الذي يعدّ كلاً متكاملاً، أتغيّرت نوايا النظام الرأسماليّ العالميّ المهيمن مع صعود نجم الرأسماليّة الماليّة بوصول التاجر ترامب إلى زمام حكم النظام العالميّ المهيمن؟ أليس وصوله يعني انكسار الرأسمال الصناعيّ الذي أتى بالدولة القوميّة الأحاديّة ذات المفهوم الإقصائيّ الإباديّ الصهريّ القولبي للشعوب؟ ألا نستطيع أن نستشف أن إرادة الشعوب قد انتصرت؟

زر الذهاب إلى الأعلى