مقالات

اللغة بوصفها ضرورة تاريخية

آلدار خليل

ساهمت اللغة على مدار التاريخ بالحفاظ على الثقافة ومنعها من الاضمحلال أو انكسارها أمام حملات التشويه والهجمات المعادية، إذ تعتبر اللغة من أهم العوامل التي يمكن للشعوب من خلالها بيان حجم ثقافتها حيث اعتبرها المختصون في مجال اللغات هوية الشعوب التي يمكن من خلالها وصف المراحل التاريخية والعمل على ما يمكن به النهضة من أجل الرقي والتقدم بالمنهج الصائب.

ففي منطقة الشرق الأوسط وإبان تعرضها للاحتلال العثماني عمدت السلطات لاتباع سياسة الإذابة ما بين الثقافات والعمل على إضعافها وإدخال مواد شائبة إليها بغية تعريضها لهجمة قوية كاسحة تماماً، كما الحال في سياسة التتريك، ودحر كل الثقافات تلك وإذابتها في بوتقة الدولة التركية وإعطاء اللغة التركية الدور الذي يكمن في أنَّ كل شعب خارج تلك اللغة أو الثقافة هو في مرحلة أخيرة من مراحل الإنهاء والتمثل للانحلال، ولم تكن السياسات العثمانية آنذاك تنطلق من تلك الرؤية نتيجة رغبتها أو محبتها للغتها بل كان بالإضافة إلى ذلك استشعارها للخطر الكبير من استمرار اللغات الموجودة في المنطقة بمختلف لهجاتها وكان ذلك يشكل خطراً، حيث أنَّ تلك العملية ستشكل نوعاً من نقل الثقافة من الماضي الذي قبل تلك المرحلة إلى المرحلة السائدة في ذلك العهد.

حينما يكون الواقع كله يشير إلى ثورة، بخاصة تلك التي تصنعها شعوب مسحوقة كانت تحت نير الحكم المطلق بغية التحرر وبناء مجمتع حر، حينها تعتبر اللغة من أهم الأمور المساعدة على الوصف الثوري كمرحلة تاريخية، ولابد من إيلائها الأهمية والاهتمام بها بحكم أنَّ النظام الواحد ذا اللون والطابع الأحادي لا يريد أي ظهور لتقسيمات اللغات الموجودة في المجتمع المحكوم وكذلك لابد من العمل على الانتصار على تلك الرؤية من وجهة نظره.

في روج آفا لم يكن الكرد بأفضل حال فقد تم منع اللغة الكردية والعمل بها حتى بخصوص التسمية الكردية بالنسبة لمن يريد تسجيل أبنائهم بأسماء كردية، لقد كانت محاربة النظام البعثي للغة تأتي في إطار إحاطة الثقافة واللغة والتاريخ الكردي في سوريا بنوع من الطمس، وكذلك منع تطور الحال لدى الكرد لإعادة دورهم التاريخي الهام في سوريا وبالتالي منع توجه الأمور نحو منحى الحقوق والواجبات، كون سوريا كانت دولة مخصصة من أجل انتفاع واحد ينظر إلى البلاد وكأنها ملك خاص أو مال موهوب.

وبعد انطلاقة الثورة في روج آفا بدأت أهم الخطوات من أجل إعادة اللون الطبيعي للموزاييك المتنوع في روج آفا وسوريا وذلك من خلال منح الحرية لكل من يريد العمل أو التدريس أو التعلم بلغته، وكانت تلك الخطوة بمثابة ضربة موجعة للعديد من الأطراف وللأسف منها الكردية قبل غيرها حيث رأوا في ذلك خطوة غير مهمة أو غير ضرورية وكأنهم يقولون ليس مهماً أن يكون هناك دور للكرد في سوريا كما حال البعض من القوميين، وبإدراك واضح من قبل الإدارة الذاتية كانت اللغة والعمل بها ومستوى تطورها يعبر عن مستوى تطور المجتمع دون شك، لذا اليوم وعلى المستوى الذي تم بلوغه من تقدم على مستوى اللغة فهو انتصار حقيقي لمكونات روج آفا على العقلية الملونة بلون واحد من جهة، وكذلك كسر المعالم الكاملة للعقلية الإقصائية والتعبير برسالة واضحة ومهمة لكل من يريد إلغاء الآخر على أنَّ العودة الطبيعية للمجتمعات والنمو على الجذور الحقيقة لها لا يمكن منعه بأي شكل من الأشكال، هذه حقيقة طبيعية وحق لعموم المجتمعات في أن تحيا وفق ثقافتها وعاداتها ولغاتها هذا من جانب، من جانب آخر العمل بنظرية الأمة الديمقراطية كنهج ثابت يمثل محور التغيير في المنطقة فإن نتاجها كان إفساح المجال لكل من يملك ثقافة أو لغة من أن يعود إلى ممارستها كنوع من معايشة الثورة والعمل على إغنائها وهذه وصفة ديمقراطية معالجة لعموم الأمراض التي نجمت عن تداخل السلطة مع الحكم القومي الذي عمل على إضاعة الثقافات ومن ضمنا اللغة.

نقلا عن  روناهي 

زر الذهاب إلى الأعلى