ثقافة

اللغة الكُردية من لغة مغيبة إلى لغة معاصرة للعلم والمعرفة

تقرير: ياسر خلف

اللغة هي ذاكرة التاريخ ووعاء الثقافة وركائز الهوية والعنصر الأساسي في كل قومية، والمرآة التي ترى فيها كل أمة أهم مقومات شخصيتها والوسيلة الفعالة لصون وحدتها والحفاظ على حضارتها، ومن الثابت أن ما من حضارة ازدهرت وأثمرت إلا وكانت اللغة من أهم دعائمها، فاللغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمم فهي الأداة التي تحمل الأفكار وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة و تعد اللغة وسيلة من وسائل الاتصال بين البشر يعبر الفرد من خلالها عن أفكاره ومشاعره وانفعالاته بحيث يستطيع التواصل مع الآخرين وفهم ما يريد، كما تعبر عن حاجاته ومشاكله واتجاهاته وتساعده على فهم من حوله وما حوله كما تعتبر اللغة وسيلة هامة لتطوير تفكيره ومعرفته وشخصية الفرد وهي أهم وسيلة للتفاعل الاجتماعي وتكوين العلاقات الاجتماعية والتواصل الحضاري، اللغة والفكر والمجتمع هي ظواهر متداخلة تؤدى إلى تطور الحياة وقيام الحضارة الإنسانية الراقية وتقدم فكري واجتماعي وحضاري وثقافي باهر، واللغة قديما قدم الإنسان والمجتمع الإنساني فلا نجد تجمعاً إنسانياً إلا ونجد له وسيلة يتفاهم من خلالها مع الآخرين وأداة يعبر من خلالها عما يجول في خلده من أفكار ومعان وإن كانت بسيطة وعما يدور في خلجات نفسه من رغبات وتطلعات وانفعالات وأحاسيس.
لقد عانى الشعب الكردي في عموم كوردستان وغربي كردستان بشكل خاص من الحرمان من التعليم بلغته الأم، ومورست بحقه أبشع السياسات العنصرية من منع التعليم باللغة الكردية في المدارس وتعريب المدن والقرى الكردية إلى محاولة تغير ديمغرافية المناطق الكردية، وتنفيذ مشاريع عنصرية كالحزام العربي وغيرها من القوانين العنصرية لصهر القومية والثقافة الكردية في بوتقة الثقافة  العربية ومنعها من التحول إلى لغة تعلم وتعليم ورغم جميع محاولات نظام البعث لصهر اللغة الكردية ومنعها من التداول في الحياة اليومية، لكن اللغة الكردية بقيت محافظة على عراقتها وأصالتها بفضل الأمهات اللواتي جعلن حناجرهن و صدورهن كالصندوق الأسود الذي يمكن الرجوع إليها في أي وقت وفك شفراتها وانتهال جذورها الحقيقية.
وبعد الأحداث التي عصفت بسورية بشكل عام وروج آفا بشكل خاص وخوض الشعب الكردي ثورته الخاصة التي لم تنقطع يوما من المطالبة بحقوقه المشروعة منذ إلحاقها بسورية بموجب اتفاقية سايكس بيكو وإلى جانب المقاومة البطولية لقوات حماية الشعب والمرأة، والتي تعتبر الركيزة الأساسية للثورة في غربي كوردستان كانت هناك ثورة فكرية على كافة مناح الحياة الاجتماعية والمعرفية والعلمية هدفها إعادة بناء الإنسان وتكريس التربية الأخلاقية التي تبتنها الإدارة الذاتية الديمقراطية من خلال العقد الاجتماعي الذي يحترم كرامة الإنسان ويصونها بغض النظر عن قوميته وعرقه وطائفته والذي يستند إلى التعايش المشترك بين جميع مكونات الشعب في روج آفا، ومن هنا بدأت التعليم باللغة الكردية التي لطالما حرم منها الشعب الكردي وبقية المكونات الأخرى منها حيث اُدخل اللغة الكردية الى كافة المدارس الموجودة في مناطق الإدارة الذاتية، وفي الآونة الأخير افتتحت هيئة التربية والتعليم في مقاطعة الجزيرة وبالتعاون والتنسيق مع حركة اللغة والتدريب في مقاطعة الجزيرة معاهد للعلوم التربوية في عموم مقاطعة الجزيرة، والتي كان من ضمنها  افتتاح معهد الشهيد حسان إبراهيم للعلوم التربوية22.06.2015  في تربه سبيه حيث تعتبر الأولى من نوعها في مدينة تربسيه والسابعة على مستوى مقاطعة الجزيرة حيث حضر مراسم الافتتاح رئيس هيئة التربية والتعليم في المقاطعة محمد صالح عبدو و أعضاء حركة اللغة والتدريب والعشرات من أهالي المدينة وقد كانت لجريدة الاتحاد الديمقراطي النصيب في الوقوف عن كثب على مهام المعهد ونشاطاتها المستقبلية حيث قالت الإدارية في المعهد ريحان: إن هدف المعهد هو تخريج معلمين مختصين في مختلف العلوم وفق مبادئ وقيم أخلاقية  يستند إلى الفلسفة المجتمعية للإدارة الذاتية وفق منهاج علمي أكاديمي حديث كما أنه يتوقف على جميع مراحل التعليم ابتداء من مرحلة الطفولة ووصولاً للمراحل الإعدادية والثانوية وهي قابلة للتطوير والتجديد كلما اقتضت الضرورة والمرحلة إليها.
وعن سؤالنا عن أقسام المعهد والعلوم التي ستدرس فيها قالت المدرسة ستيرا: لأول مرة في تاريخ مدينة تربسبيه سيتم تدريس علوم مختلفة باللغة الكردية إلى جانب لغات أخرى حيث يحتوي المعهد على الأقسام التالية: للتاريخ – علم الاجتماع – التكنولوجيا والكمبيوتر- تدريس اللغة الكردية – تدريس اللغة الانكليزية والسريانية- تربية الطفل- الفلسفة.
كما ذكر المشرف الإداري للمعهد كوران: لقد بداء المعهد فعليا بتقديم خدماته منذ أول يوم من افتتاحه  حيث تم تخصيص الأوقات الصباحية لتدريب وتأهيل معلمين ومدرسين اللغة الكردية والاختصاصات الأخرى على المنهاج الجديد التي أقرتها وزارة التربية في مقاطعة الجزيرة للسنوات الدراسية القادمة، وذلك طيلة العطلة الصيفية والتي مدتها ثلاثة أشهر وكذلك سيستمر التدريب أثناء الدوام الرسمي كما لاقى المعهد إقبالا واسعاً من جميع مكونات مدينة تربسبيه  حيث يتم قبول الطلاب الجدد الراغبين في الدراسة في المعهد هذا و تم تحديد الأعمار التي سيتم قبولها في المعهد كحد أقصى من أعمار 17الى 35 سنة.
حيث وصل عدد المنتسبين للمعهد إلى ستون طالباً وطالبةً بينهم طلاب عرب وسريان وذلك وسط حماس ورغبة في تعلم اللغة الكردية ومنافسة فريدة لتطويرها.

زر الذهاب إلى الأعلى