تقارير

الكومون بين الواقع والطموح

komonتحقيق :مصطفى عبدو

في أصول الديمقراطية الشعبية  وخاصة في الدول المستقرة ذات التاريخ العريق في هذه التجربة، فإن معادلة النجاح تقوم على أنه كلما كان مسار القرار من القاعدة إلى القمة كان القرار معبراً بحق عن إرادة  وطموح الناس. وإذا كان القرار دائماً يسير من القمة إلى القاعدة، فإن هذا القرار يصبح فردياً بعيداً عن القاعدة الشعبية ومخيبا لآمال الناس.

فالقرار السياسي يجب أن يخدم الجماهير، لذلك يجب أن يعبر عنهم, وبالتالي يجب أن يصدر منهم أو من ممثلين حقيقيين عنهم.

لهذا ارتأت الإدارة الذاتية الديمقراطية الاهتمام بالكومونات التي من المفروض أن تلعب دورًا هامًا على صعيد زيادة المشاركة الشعبية عن طريق تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وذلك ترسيخًا للديمقراطية وتعميقًا للامركزية القرار عن طريق مشاركة المواطن مشاركة حقيقية وفعالة في إدارة المرافق والخدمات العامة في داخل كل مجتمع محلي (الكومون)، وتهتم الكومونات في روج آفا خلال المرحلة الحالية بالعديد من القضايا المهمة مثل الاهتمام بقضايا المواطن ودعم دور المرأة في المجتمع ودعم الصناعات الصغيرة وتشجيع الاستثمارات والقرية المنتجة والوحدات الانتاجية الصغيرة.

الكومونات، هي أفضل نموذج للتمثيل الشعبي في القرى والمدن والأحياء والضواحي لهموم ومشاكل ورغبات الشارع.

أعضاء الكومونات هم الذين يجب أن يعرفوا مكان عطل الصرف الصحي وأين انقطع السلك الكهربائي، وعدد الطلاب في مدرسة الحي التابع للكومين، ويعرف مكان الخلل في أي منطقة تابعة لجغرافية الكومون وووو.

الكومونات هي الأقرب لهموم الناس والأكثر اتصالاً بهم بشكل مباشر، لذلك يجب أن تكون العلاقة بين الكومونات والجماهير سليمة وغير فاسدة.

فإذا كان كل هذا مطلوب من الكومونات ومن أعضاء الكومونات, فماذا يتطلب منا نحن تجاههم وماذا قدمنا لهم مقابل ذلك؟

سؤال مطلوب من المسؤولين في الادارة الذاتية الديمقراطية الإجابة عنه ..

من جهة أخرى يرى البعض أن الفساد الإداري هو صلة الوصل الوحيدة بين الماضي والحاضر, فكلنا يعلم بل أصبح من المتعارف عليه أن كل ما هو حكومي ورسمي في ذهنية المواطن البسيط يسير بمنطق «ادفع ومشي حالك»! كل ما هو حكومي هو بمثابة مستنقع للفساد لا يعرف معنى «تقديم الخدمة العامة» للناس بشرف ونزاهة وكفاءة.

فهل وصل هذا المرض إلى كوموناتنا يا ترى؟

لمناقشة هذا الموضوع والتوسع فيه بادرت صحيفة الاتحاد الديمقراطي إلى جمع بعض الآراء لمناطق مختلفة,وها نحن ذا نعرض لقرائنا الأعزّاء بعضاً من هذه الآراء:

فقدت أغلبية الكومونات مكانتها بين  أفراد المجتمع

محمود حسين حمي عضو حزب الاتحاد الديمقراطي

إن ممارسات الأنظمة الاستبدادية والقمعية المتعاقبة ضد الشعب السوري بشكل عام والمكون الكردي بشكل خاص, والذي عانى من الظلم والإنكار والحرمان من الحقوق السياسية وإبداء الرأي على مدى سنوات، إلى جانب الضغط الذي تعرض له الشعب من الجانب الاقتصادي والاجتماعي، كل ذلك  وأسباب أخرى فتحت المجال واسعاً أمام الشعب ليقول كلمته وجعلته يتخطى حاجز الخوف ويعلن جهاراً عن المطالبة بتغيير النظام  .

أما المعارضة السورية والتي تفاءل الناس بها خيراً فإن مفهومها لم يختلف كثيراً عن مفهوم النظام ، بعدم اعترافها بالشعب الكردي ورؤيتها للأمور المختلفة، حينها أعلن حزبنا حزب الاتحاد الديمقراطي pyd  مفهوم الخط الثالث من الثورة السورية، وخاصة بعد أن بدا واضحاً أن النظام والمعارضة هما من طينة واحدة.

وفي ذلك الوقت قامت الـ pyd بإعلان مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتطبيقها في كافة المدن والبلدات، حيث قامت حركتنا بفتح مؤسسات المجتمع المدني، وإعلان المجالس في الأحياء والمدن وبناء الكومونات.

يُعّرفُ القائدُ الكومونات بأنها مدرسة ديمقراطية اجتماعية تدير نفسها، وهي مكان لتطوير الأخلاق والعدالة, والكومونات هي المكان الأنسب للعيش المشترك القائم على المحبة والتعاون.

فكلما كان مفهوم الديمقراطية متجسداً في العائلة السليمة, كانت تلك العائلة ذات تربية سليمة وصحيحة.

والكومونات هي بمثابة اتحاد عدد من العوائل في عائلة ذات تربية سليمة وصحيحة. واتحاد عدد من العوائل في قرية أو في حي وتقوم بإدارة شؤونها التنظيمية والخدمية والصحية والاجتماعية والحماية الذاتية.هي أول خلية اجتماعية تخدم المجتمع، والكومونات هي أول خلية  بناء في المجتمعات.

وبعد إرساء دور الكومون بين المجتمع  وكذلك دور مجالس الأحياء ومن ثم  مجلس المدينة،

إلاّ أن  الكومينات ظلت هي الأهم, كونها هي الخلية التنظيمية الاجتماعية الأولى ، ويمكن الاعتماد من خلالها على الطاقات الكامنة في تلك الجغرافية السكانية المعروفة بالكومين، ولكن للأسف الشديد  فقدت أغلبية الكومونا ت مكانتها بين  أفراد المجتمع، خاصة بعد

إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتشكيل الهيئات لها، حينها قام أعضاء وممثلون عن هذه الهيئات بتوظيف أفراد من عوائلهم وأصدقائهم ضمن الإدارة دون الرجوع إلى الكومونات، إلى جانب ابتعادهم عن اجتماعات الكومينات، مما فتح الثغرات في عمل الكومينات بين المجتمع وعدم قدرتها على الإدارة من عدة نواحي مثل الخدمية والحماية الذاتية والاقتصادية.

وكذلك ظهور بعض أخطاء الإداريين من الناحية التنظيمية وابتعادهم عن المجتمع، وكذلك ظهور أخطاء في اللجنة الخدمية, فمثلاً عندما تقوم هذه اللجنة بتوزيع المعونة,تبدأُ بالأهل والأصدقاء.

ونتيجة لهذه التجاوزات والأخطاء التي ظهرت في الكومونات وإدارتها، تدخلت الحركة لتصحيح مسار الكومونات فدعت كافة الأعضاء وفي كافة المؤسسات والهيئات إلى الانضمام إلى فعاليات الكومونات ، من خلال اللجان و إعطاء الأهمية القصوى لناحية التدريب ، لأنه بالتدريب تُصقل الذهنية نحو مفهوم بناء الأمة الديمقراطية، وكافة التطورات التي حصلت والتي ستحصل في الثورة السورية نتيجة تنظيم المجتمع ، بدأً من تنظيم عمل الكومونات وصولاً إلى تنظيم كافة المؤسسات وهيئات الإدارة الذاتية الديمقراطية .

الكومونات هي الحالة التي يجد فيها المواطن نفسه

من مقاطعة عفرين السيدة غالية حمو الرئيسة المشتركة لكومين الشهيد جمشيد في قرية ميركان:

تحدثت عن الكومونات ودورها في المجتمع قائلة : الكومونات بمثابة الجسد الواحد, لكل عضو فيها دوره الخاص يؤديه . ولكن  للأسف لم تصل بعدُ كوموناتنا الى المكانة والشكل المراد الوصول إليه  لتلعب دورها الحقيقي في القرية أوفي الحي وتستطيع تمثيل جميع السكان في كثير من الأمور والنواحي المادية والمعنوية ,ويتجلى ذلك بضعف المشاركة في التدريب, أوفي تقرب بعض الناس من الكومونات لمصالح شخصية وعائلية, مما ينعكس سلباً على دور الكومونات من الناحية العملية, ناهيك عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المقاطعة والمنطقة والتي تجعل أكثرية المواطنين يضطرون إلى العمل لتأمين لقمة عيش لأولادهم على حساب طوعية العمل ضمن الكومين ما يقلل من فاعلية الكومونات داخل المجتمع .

هذا ومن ناحية أخرى هناك بعض المشاكل الناجمة عن ضعف وعدم الاستجابة للكثير من طلبات الكومونات ومقترحاتها واهمالها وغض الطرف عن مقترحاتها من قبل المعنيين والمسؤولين عن سير عمل الكومونات, رغم دراسة و موافقة أعضاء الكومين عليها بشكل ديمقراطي كون الأمر يصب في المصلحة العامة.

ومع ذلك تبقى الكومونات هي الحالة الوحيدة التي يجد فيها المواطن نفسه وتعبر عن إرادة جميع المواطنين نساءً ورجالاً  ومن جميع الفئات العمرية .

الكومونات في كوباني

أغلبية أعضاء الكومونات أُميّين

وفي حوارٍ مع أحد أعضاء الكومين في مدينة كوباني :

بعد تحرير كوباني من مرتزقة داعش وعودة الأهالي إليها، بدأت الحياة تعود شيئاً فشيئاً إلى المدينة وقراها, وكان من أهم مطالب المواطنين تأمين الخدمات الضرورية ,لذلك كان لابد من تأسيس دُور الشعب وبناء المجالس والكومونات في المدينة وريفها من أجل تقديم خدمات للمواطنين وتسيير أعمالهم.

الكومونات كما نعرف عنها هي أصغر خلية اجتماعية تقوم بتسيير الأعمال والخدمات للمواطنين ضمن جغرافيتها.

فالكومونات في كوباني تقوم بعدة أعمال منها تسجيل وتوزيع أسطوانات الغاز وتوزيع مادة المازوت وتسجيل حالات الفقراء والأرامل لتقديم ما يلزم لهم,كما وتشرف على توزيع الكهرباء والمياه, إلى جانب توعية الناس وأمور أخرى متعددة كالإشراف على المصالحات الاجتماعية وتقديم رخص البناء وغيرها، ولكننا اليوم نعاني من عدم وجود مقر خاص للكومون, كما أن أغلبية أعضاء الكومونات أميين, إلى جانب عدم وجود الدعم سواء أكان مادياً أو معنوياً لأعضاء الكومونات لهذا نجد خللاً في الكثير منها.

الفتور والروتين يغلب على عمل الكومونات في الآونة الأخيرة

ومن جانبها بروين جميل ( عضواللجنة الخدمية في كومين الشهيد رعد ), ومن خلال حديثها لصحيفة الاتحاد الديمقراطي تطرقت إلى موضوع هامٍ:

كوموناتنا تشهد في هذه الآونة فتوراً وعدم التقيد والالتزام بالدوام من قبل أعضاء الكومونات , وخاصة العنصر النسائي, وبررت  ذلك بعدم وجود أي دعم سواء أ كان ماديا أو معنويا للأعضاء الذين يتفانون في العمل دون أي مقابل, وفي ظل استمرار الوضع المعيشي الصعب لابد من البحث عن مصدر رزق, وأغلب التابعين الى جغرافية  هذا الكومون هم من الفقراء أو من ذوي الدخل المحدود .الكل أصبح يدرك تماما أهمية الكومونات ودورها في رقي وتطور المجتمعات والسير بها الى دروب الديمقراطية, ولكن المعوقات أحيانا تكون حجر عثرة أمام آمال المواطنين.

إرضاء الناس غاية لا تُدرَك

عمار خليل عضو اللجنة الخدمية في كومين الشهيد رعد تحدثَ بكل شفافية عن وضع الكومونات مستهلاً حديثه بالقول :

إرضاء الناس غاية لا تدرك, الكل يوجه أصابع الاتهام الى الكومونات وأعضائها, متناسين أنهم كغيرهم, مواطنون قبل كل شيء, وهم محتاجون أيضاً, والحصول على لقمة العيش من أولويات كل مواطن, ونحن نقدم ما بوسعنا دون كلل أو ملل ولكن لكل انسان طاقته وظروفه .أمور كثيرة يتطلب منا إنجازها ونحن لا نملك عصاً سحرية للقيام بكل ذلك ,فإمكانياتنا محدودة والمطالب كثيرة ولا تقف أي جهة الى جانبنا,  و أقرب مثال على ذلك هو مقر الكومون فنحن بحاجة ماسة الى مقر ونبحث منذ شهور دون جدوى, بينما نجد بقية مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية تتنعم بالمكان والأثاث والتدفئة وغير ذلك الكثير.

صفوة القول

إن الكومونات  في الواجهة والمضمون فإنها تمثل جسداً قوياً للترابط النوعي المتميز بين المركز الرئيسي (المنطقة) والأطراف (الأحياء).

فهذه الكومونات  من المفروض أنها تمتلك الرؤية الحقيقية والمعلومات الضرورية والقدر المناسب من العلم والمعرفة والشعور بالوطنية, ومن خلالها سنصل بدون شك إلى مزيد من التقدم وإلى مزيد من توفير الخدمات لأهل الحي الذي لا يتحقق أبداً إلا بالتنسيق الفعال مع المركز (المنطقة) التي هي بدورها تشارك مشاركة فعالة لتحقيق تطلعات سكان الحي.

لكن إذا سارت الكومونات, في حالات غير تلك التي أشرنا اليها , فيمكن أن تنتهي بالحي وأهله الى طريق مسدود لا يحقق لهم التقدم المنشود.

ولتلافي ذلك ولإنجاح فن إدارة الكومونات لابد من إعمال المعايير الثلاثة التالية للحكم بشكل موضوعي على أداء مجالس الأحياء بالنتائج والأهداف.

المعيار الاول: وهو معيار الفاعلية أي القدرة على الإنجاز وتحقق الأهداف المخططة فالكومونات مسؤولة عن تحويل سياساتها إلى برامج مُحققَة على أرض الأحياء, سواء بتوفير الخدمات وخلافها.

المعيار الثاني فهو معيار الكفاءة, فمن تُسند إليهم  أعمال الكومونات يجب أن تكون لديهم الخبرة العالية في تنفيذ العمل بأفضل طريقة إدارية.

المعيار الثالث : ألا وهو الجدوى التنموية المحلية الذي يتمثل في الأثر الذي تولّده الكومونات على تثبيت مفهوم التنمية المحلية ويعتبر هذا المؤشر من أكثر المؤشرات لنجاح الكومونات في أدائها.

إن فن إدارة المشاركة والمجتمعية بأسلوب الكومونات تمثل خطوة ذكية, ترمي إلى تحقيق التنمية المحلية بصورة تحقق التكيف الفعّال مع تحديث الإدارة بهدف تأمين المشاركة المجتمعية للأحياء ,لأن تفعيلها يُعدّ أفضل ضمانات النجاح .

وهكذا فإن الدور الرئيسى الذى يجب أن تلعـبه الجهات المعـنية، ويتعـين عليها أن تجيده لإدارة الكومونات, هوممارسة الحياد الحقيقى، وعـليها إدراك أن الحياد هو الذى سيؤدى إلى توسيع رقـعـة ممارسة الديمقراطية، والحياد وحده هو الذى يمكنه أن يعـزز القيم الأصلية، فالحرية يمكن أن تتحقق من حرية الاختيار ، والعـدالة يمكن أن تتحقق عـند تهيئة الظروف المناسبة لهذا الاختيار، أما المساواة فيمكن أن تتحقق بتكافؤ الفرص أمام الجميع، ولعـل ذلك الإدراك يتطلب تغييراً جذرياً واستعـداداً فكرياً مختلفاً، ومنظوراً جديداً لتناول الأمـور، وفى غياب هذا الإدراك ستظل الكومونات عُـرضةً للتدخّلات والتزوير، وربما ستظل كذلك دوماً، ما لـم يـتحقّق مثلَ هـذا الإدراك والتغيير.

زر الذهاب إلى الأعلى