مقالات

الكرد المُذَيَّلون؛ سابقاً وحاليّاً.

%d8%ae%d8%a7%d9%84%d8%afخالد عمر

إن عمليات الصّهر والإبادة الثقافية التي تعرض لها الكرد على يد الفاشية التركية البيضاء منذ عشرينيات القرن العشرين كانت قد عملت عملها جيداً في المجتمع الكردي آنذاك, فبحسب تلك الفاشية جرى الإنكار لأيّ ما هو ذو صِبغةٍ كرديّة؛ لا شعب لا وطن لا ثقافة لا لغة لا تاريخ, فالإنكار والإبادة كانتا تُمارسان بأشدّ الدرجات, لقد وصلت الحال وقتها بالانسان الكردي إلى إزدراء نفسه لمجرد أنه كردي؛ فإما أن تكون كردياً وهذا يعني أن تكون وحشاً بربرياً, متخلفاً مقززاً, وحياتك لا تساوي ثمن الرصاصة التي تحتاجها السلطة لكي تقتلك؛ وهنا كان قد ظهر مصطلح “الكردي المُذيَّل”, أو أن تكون تركياً حتى تكون سعيداً, ” أنا تركي إذاً أنا سعيد ” واللغة التركية هي لغة “الأفندية” فطالما أنك ستتحدث بها فسوف تكون مقبولاً بين مجتمع المحترمين إضافةً إلى أنك يجب أن لا تفكر مجرد تفكير في أصلك الكردي ويجب أن تمجًد تركيا وتعتزً بتركيّتك وأن تتذكر الاحتقار والدونيّة بمجرد التفكير بأنك كردي, ومن حاول وقتها أن يرفض كان مصيره التصفية والتاريخ شاهد على الانتفاضات الكردية في شمال كردستان والتي جوبِهت بأفتك الإبادات وبعنفٍ لا مثيل له من قِبل السلطة التركية.

إنّ مرور ما يقارب المئة عام على بدء تلك المرحلة ربما يوحي للوهلة الأولى بأن التتريك قد زالت آثاره عن الشريحة التي تم تتريكها, ولكنّ واقع الحال لا يؤكّد ذلك فحتى الأمس القريب وربما إلى الآن لا زال هناك من ينكر كرديته بشكل مباشر أو غير مباشر.

إنّ تغيّر الظروف وصعود الفاشية التركية الإسلامية كضرورة ارتأتها قوى الهيمنة العالمية والتي كان لابد أن يقابل حلولها محل الفاشية البيضاء اتّباع العنف المرن والإبادة الثقافية الناعمة بدلاً من العنف القاتل كما كان في السابق, وربما كانت هذه فرصة تتضمن شروطاً وظروفاً مساعدةً اكثر للتخلص من آثار التتريك والعودة إلى الأصل والنضال في سبيل التحرر والحرية, ولكن يبدو أن ظاهرة الكردي المُذَنّب لم تَزُل, ولكن ليس كما كانت في السابق, لأننا في الوقت الحالي أمام ظاهرة كردي يشتري ذيلاً ويعلّقه بمؤخّرته؛ إنها حالة الكردي الغارق لحلمتي أذنيه في الخيانة والغفلة, إنها حالة المستوى الحضيضي الذي يعيش فيه البعض من الكرد الآن في شمال كردستان, ففي الوقت الذي يرتكب فيه الجيش التركي مجازر وعمليات قتل جماعي بحق الشعب الكردي في ريف مدينة نصيبين ومن قبْلِ ذلك اعتقال البرلمانيين والسياسيين ورؤساء البلديات الكرد ومن قبْلِ ذلك أيضاً عمليات القتل والتدمير التي شهدتها نصيبين وشرناخ وسور آمد وغيرها من مناطق شمال كردستان, وبرغم الدعم التركي لداعش وبرغم تدخلها المباشر في روج آفا وحربها الضروس ضد الكرد عسكرياً وسياسياً واعلامياً وبرغم دماء الآلاف من الشهداء, لا زال الكثير من كرد شمال كردستان غارقين إلى حلوقهم في الغفلة والخيانة, لازال هناك من يمجّد أردوغان ويلعن أهله, بل ويناصبون أشد العداء لحركة حرية كردستان ويتمنون أكثر من الفاشيين الترك أنفسهم لو أنهم يفيقوا ذات صباح على خبر انمحاء تلك الحركة, للأسف هناك حالة من فقدان الشعور الإنساني لدى تلك الفئة الممسوخة وحالة خيانة للضمير والوجدان لا مثيل لها في التاريخ.

لا تقتصر حالة الكردي المُذيّل على شمال كردستان فقط؛ بل إنها موجودة في بقية الأجزاء, وما يميز هؤلاء الكرد هو ولائهم بوعي أو بدونه لمرجعية واحدة وارتباطهم بها وارتباط تلك المرجعية ارتباطاً مصيرياً بالدولة التركية وحزب العدالة والتنمية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى