ثقافةمانشيت

الـ BBC في حوارٍ مع زوجة الفنان الكردي .. المرحوم أحمد كايا

ahmed ahmet_kaya goltan-kaiya kaya vay-serefsizعلى الإنسان أن يحترم أخاه في الإنسانية أياً كان طائفته ولغته وقوميته، وأن يؤمن بالعيش المشترك حتى لو لم يكن ينتمي إلى دينه ومعتقده، وهنا أخص الذكر بفنانٍ كرديٍ تألق في الفن والغناء، وأطرب الكثير من الأذواق في المجتمع التركي، إلا أن كل الذنب الذي اقترفه هو أنه قال بأنه كردي ويريد الغناء بلغته الأم، لألقاء الضوء على هذا الموقف مع الفنان أحمد كايا في المجتمع التركي، قامت مذيعةٌ من إذاعة BBC تركيا بإجراء مقابلةٍ مع زوجة الفنان الراحل ” غلتان كايا ” حيث قالت المذيعة:” نعود بكم اليوم إلى تركيا وشهر فبراير/شباط من عام 1999، عندما حصل المطرب الشعبي المعروف أحمد كايا على جائزة موسيقار العام، التي تمنحها مجلة الموسيقى المرموقة في اسطنبول، حيث انقلب الحدث ليكون بداية النهاية لمسيرته في تركيا. كل ذلك لأنه أراد أن يغني باللغة الكردية، لغة أجداده. قمتُ بإجراء حديث مع زوجة أحمد كايا ” غلتان كايا ” التي كانت حاضرة في حفل توزيع الجوائز في تلك الليلة.

تقول غلتان: “بدأ حفلُ توزيع الجوائز بحفل كوكتيل، تلاه العشاء ومن ثم الجوائز. كان حفلاً بهيجاً جداً في صالةٍ إيطاليةٍ راقية، حضره الكثير من السيدات والسادة بأناقتهم الكاملة.

ولكن بعد أن تلقى أحمد كايا جائزته بلحظة، بدأ بإدلاء تصريحه وهو يمسك بالجائزة بيد وبالميكرفون باليد الأخرى، وكانت تلك نقطة تحول ليس فقط في ذلك المساء بل في حياته كلها.

قال كايا:” لأنني من أصلٍ كردي سأقدم أغنية كردية في ألبومي القادم، سأصور فيديو كليب لهذه الأغنية، أعلم أن هناك الكثير من محطات التلفزيون الجريئة، سأضيف إليها الفيديو ولكن إن لم تقم ببث الكليب لا أعلم كيف ستبرئ نفسها أمام الرأي العام التركي”.

على الفور تغير المزاج في القاعة، زوجته “غلتان” تستذكر رد الفعل العدائي من قبل المشاهير في الحفل.

تقول غلتان:” فجأة تغير كل شيء، كل هؤلاء النساء والرجال الأنيقين تحولوا جميعاً إلى وحوشٍ يمسكون بالشوك والسكاكين ويرمون الأشياء، يطلقون الشتائم وصيحات الاستهجان.

تخيلي أن تتغير الأجواء  في غضون خمس دقائق فقط، كان التحول يكاد يكون درامياً، كان الناس يهتفون( لا يوجد شيء اسمه كرد )، ثم فهمت على الفور أن ما لم يتم قبوله هو كلمة (كردي). حقيقةً أنه أعلن أصله الكردي”.

ولد أحمد كايا لأمٍ تركية وأبٍ كُردي، وقد اشتهر في تركيا كمطربٍ شعبي، لم يغني أبداً باللغة الكردية في العلن ولا حتى أعرب عن أي نية للقيام بذلك، لم يكن الإعلان عن تراثه الكردي في الحفل يشكل مفاجأة لزوجته.

تقول غلتان:” كان فناناً يصنع  الموسيقى باللغة الرسمية التي كانت تُدَّرَسُ له، لم تكن أيّ من أغانيه بلغته الأم بل كانت باللغة التركية، كان أحمد شخصاً يفكر باللغة التركية، و ينتج باللغة التركية، حتى أنه لم يكن يتحدث بلغته الأم”.

خلال تسعينيات القرن الماضي كان خطاب الدولة التركية في إنكارٍ تامٍ للهوية الكردية، كان سماع مطرب شعبي يذكر اللغة الكردية يعتبر أمراً بذيئاً، وكان الصراع يشتد بين قوات الأمن التركية والمتمردين الكرد الساعين وراء حقوقهم المشروعة في جنوب شرق تركيا. وكان مجرد الاعتراف بأصلك الكردي ينظر إليه من قبل الكثيرين على أنه دعمٌ للصراع المسلح.

ما أن أنهى أحمد كايا أغنيته تلك الليلة في حفل توزيع الجوائز، حتى شقّ طريقه عائداً إلى الطاولة حيث كانت تنتظر زوجته.

تقول غلتان:” عندما نزل من المسرح وسار نحو طاولتنا تعرض للإهانة لفظياً، حتى أن بعض الناس حاولوا مهاجمته جسدياً، كانوا يصرخون قائلين الانفصالي، الخائن، أطردوا هذا الرجل من بلدنا.

كنتُ مصدومةً تماماً، وكذلك كانت حالته، ثم تحدث إلى الصحفيين الذين كانوا ينتظرون تصريحاً منه عند طاولتنا”.

قال كايا:” عليكم أن تقبلوا الواقع الكردي”.

إلا أنهما لم يتمكنا من مغادرة القاعة فوراً، وبعد أن تلقى أحمد كايا جائزته صعد مطربٌ تركيٌ آخر المسرح، وبتغييرٍ طفيفٍ في كلمات أغنيته بدأ يشير إلى أحمد كايا وزوجته.

تقول غلتان:” بدأت كلمات الأغنية أولاً كما كانت في النسخة الأصلية: لا أحد سلطانٌ في هذا العصر ولا أحد شاه”.

ثم قام باستبدالها بكلمات عن مسيرة أتاتورك وعن تركيا، وأن هذا الوطن لنا وليس للأجانب؛ قال ذلك وهو ينظر إلى أحمد”.

لم يتمكن الزوجان من المغادرة إلا تحت حراسة الشرطة وملاحقة جيشٍ من الصحفيين وقد تفرقا أثناء المسير.

تقول غلتان:” أصيب أحمد بالذعر عندما لم يتمكن من رؤيتي، وفيما بعد رأيته على شاشة التلفزيون وهو ينادي باسمي: (أين هي غلتان؟ .. أين غلتان؟). وفي نهاية المطاف قام بعض الموظفين بمساعدتنا وأخرجوا أحمد من المبنى بوجود ضباط الشرطة وأرسلوه إلى البيت مدفوعاً في سيارة أجرة”.

أدى هذا الحادث إلى ملاحقة أحمد كايا قضائياً فقد أُتهم بالخيانة، ومثَّلَ أمام محكمة البداية، ومع ذلك فإن التحدث باللغة الكردية لم يكن يُعتبر جريمة، ولم يتم استئناف أيٍّ من التهم الموجهة إليه.

بدأت وسائل الإعلام حملة ضد المغني، وأخذت تدينه كوجه معيب للمجتمع التركي، وسرعان ما بدأ الرأي العام يحذو حذوها.

تقول غلتان:” كانت ملصقات أحمد كايا تُمزق والناس كانوا يسحقون أسطواناته، ولم تعد ألبوماته تُعرض للبيع. كان الأمر بمثابة عملية مسحٍ من الخارطة، بل حتى أننا كنا نتلقى رسائل وفاكسات تهدد حياته. كانت إحدى تلك الرسائل التي بقيت في صندوقنا البريدي تقول: أي أشكال الموت تفضل؟ .. أن تُخنق بسلسلة أم ثمة شيء آخر؟”.

كانت الحياة في تركيا تزدادُ صعوبةً بالنسبة لأحمد كايا مع أنه كان دائماً يعرب عن حبه للبلد؛ كما هو الحال في هذه المقابلة التي أُجريت معه على شبكة الـ BBC تركيا في عام 1996.

يقول كايا:” أنا أحب تركيا كثيراً، ولا أعتقد أنني أستطيع أن أعمل بالفن أو أن أنتج الموسيقى في أي مكانٍ آخر”.

ورغم وقوف الرأي العام ضدهما فقد كان أحمد كايا وزوجته يؤمنان بأن الغضب لن يدوم.

وفي شهر يونيو/حزيران من عام 1999 غادر أحمد كايا البلاد مع زوجته كمشاركٍ في حفلٍ موسيقيٍ أوروبي، لتقوم وسائل الإعلام التركية فيما بعد بتسمية ذلك بـ (الهروب).

لم يعد أحمد كايا إلى تركيا وتوفي إثر نوبة قلبية داهمته في باريس عام 2000.

على مر السنين بدأت ذكرى حفل الجوائز الذي أدى إلى نفيه تثير الناس، ويبدو أن المغني الذي هيّج الناس ضده على خشبة المسرح قد قدم اعتذاره.

لا تزال اليوم المئات من أغاني أحمد كايا تحظى بالشعبية في تركيا، أما بالنسبة لزوجته غلتان فثمةَ أغنيةً واحدةً يمكن أن تصف تلك الليلة؛ ألا وهي الأغنية التي أراد أن يؤديها باللغة الكردية.

تقول غلتان:” يمكنني أن أصور تلك الليلة بأغنية واحدة فقط؛ الأغنية التي أراد أن يغنيها بلغته الأم هناك جملة من ضمن كلماتها تقول (حتما سأعود يوماً ما) لقد أدى هذه الأغنية بحزنٍ شديد وقلبٍ محطم؛ هذه الأغنية هي (كروان)”.

زر الذهاب إلى الأعلى