تقارير

الشرق الأوسط فوق بركان ثائر، صراعات وتراشق بين زعماء الدول على خلفية الأزمة السورية

mustefaabdoتحقيق: مصطفى عبدو

حالة من التوتر الشديد تسود المنطقة والعالم، فما من دولة إلا وغرقت في شباك الخلافات مع الأخرى وعلى مايبدو فإن سوريا هي كلمة السر في معظم هذه الخلافات المستمرة بين الدول المختلفة، وقد يتساءل البعض: هل نحن مقبلون على حرب عالمية ثالثة؟

بصراحة مطلقة تتشابه الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية اليوم كثيراً مع الظروف التي سادت أو هيأت الأجواء لقيام الحرب العالمية الأولى والثانية على حد سواء، فلو عدنا إلى التاريخ لوجدنا بأن العوامل التي ساهمت في قيام الحرب العالمية الأولى هي قيام التكتلات والأحلاف الدولية ومن الناحية الاقتصادية وجود التنافس الصناعي والتجاري بين الدول الأوربية وبشكل خاص بريطانيا وفرنسا من جهة والمانيا من جهة أخرى، أما عن عوامل الحرب العالمية الثانية فهي مشابهة لأبعد الحدود مع عوامل الحرب العالمية الأولى مضافة إليها بعض العوامل التي سهلت الطريق لقيام الحرب العالمية الثانية، منها الشروط القاسية التي فرضتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى (الحلفاء) على الدول المهزومة فيها وذلك في معاهدة (فرساي) الأمر الذي أدى إلى خلق حالة من التوتر والحقد لدى شعوب الدول المهزومة وازدياد التنافس التجاري والصناعي بين الدول الغربية إلى جانب ظهور أزمات اقتصادية وغيرها.

في الوقت الراهن فإن معظم هذه العوامل إن لم نقل جميعها متوفرة في المشهد السياسي فالمحاور السياسية والتحالفات العسكرية والأزمات الاقتصادية والفشل المتكرر للأمم المتحدة في حل القضايا والأزمات العالمية وآخرها فشلها في سوريا، كلها عوامل مساعدة لنشوب حرب عالمية كبرى أو صغرى مع محاولة روسيا استعادة مجدها السابق ودورها الدولي الذي انتزع منها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه عام 1991 على يد (يلتسن- غورباتشوف) فهل فعلاً نحن مقبلون على حرب؟ ولكن:

إن تشابه الظروف والمعطيات لا يعني بالضرورة قيام حرب شاملة ولكن ذلك أيضاً لا يمنع من القول بأن هذا الأمر يثير العديد من الاشكاليات فيها.

تهديد الأمن الاقليمي فمثلاً اسقاط الأتراك لمقاتلة روسية كانت بمثابة إعلان حرب على دولة كبرى كروسيا وهذا الأمر كاد إن يدفع بالمنطقة إلى شفير حرب ولا زالت فرص تفاقم الأوضاع قائمة. وفيما يلي رصدت صحيفة الاتحاد الديمقراطي أنواع من الخلافات بين الدول الاقليمية والدولية المختلفة في الفترة الأخيرة على خلفية الأزمة السورية.

تداعيات الأزمة السورية الاقليمية:

حسب المعطيات وما تشهده المنطقة يلاحظ بأن الصراع فيها قد يمتد نحو الدول المجاورة وإن شظايا الانفجار السوري لا بد وإن تصيب الجوار وربما إصابات بالغة.

وهذا ما أكده سابقاً الرئيس السوري حين هدد بحدوث زلزال اقليمي يشمل جميع الدول وخاصة دول المنطقة بما فيها تركيا واسرائيل.

فكل المؤشرات الدولية والتهديدات وكذلك التحذيرات تتجه نحو خطرين الأول حدوث زلزال اقليمي كما وصفه (بان كي مون) (حرب الوكالة)، والخطر الثاني احتمال أن يؤدي انفجار سوريا إلى تهديد الجغرافيا السياسية لدول المنطقة والذي بدوره يستوجب إعادة رسم حدود جديدة لـ (سايكس بيكو).

غياب التوافق الدولي في الأزمة السورية:

كل الدلائل والمعطيات تشير بأن التدخل العسكري الروسي تم بدون توافق بين الحليفين الأساسيين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فروسيا كانت تتدخل عسكرياً في الأزمة الأوكرانية بذريعة حماية أمنها القومي وحدودها المجاورة لأوكرانيا، وهذا قد تغض امريكا الطرف عنها أما أن تتدخل في سوريا البعيدة عنها جغرافياً فهذا يعني بأن روسيا تضع نفسها في صراع مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، فأصبح بإمكاننا القول بأن مرحلة جديدة من الصراع الدولي قد بدأت من سوريا.

القاسم المشترك بين القوى الدولية حول الأزمة السورية:

لعل القاسم المشترك بين مواقف القوى الدولية الفاعلة في الملف السوري سواء الموالية للنظام أو الطرف الآخر، هوالتسليم بأن الحل في سوريا يجب أن يكون حلاً سياسياً وهو الحل الأخير حسب زعمهم ويمكن الوصول إلى هذا الحل بالطرق الدبلوماسية والحوار.

الانقسام الاقليمي على خلفية الأزمة السورية:

كما انقسم المجتمع الدولي حيال الأزمة السورية كذلك انقسمت مواقف الدول والقوى الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

والأزمة السورية بامتدادها وتعقيداتها ومآلاتها لا بد وأن تؤثر في جوارها.

الموقف التركي من الأزمة السورية:

تركيا تصف الأزمة السورية بأنها أزمة تركية وتتصرف على نحو بأنها أزمة تركية داخلية نظراً لحدودها الممتدة مع سوريا، وليس هذا فحسب بل إن فوجود الكرد في الشريط الحدودي يثير حفيظتها ويخرجها عن طورها، فنجد أن الساسة الأتراك ترتفع أصواتهم بين الحين والآخر وكلما ازداد نفوذ الكرد وحققوا مكاسب يزداد جعيرهم وصراخهم, ولا ننسى الطريقة التي تتعامل معها الأتراك مع الإرهابيين حين تسهل لهم العبور إلى سوريا وتمدهم بالسلاح والمال.

الموقف الإيراني من الأزمة السورية:

كما تركيا كذلك إيران تعتبر الأزمة السورية أزمتها الشخصية وتعتبر كل ماحدث عبارة عن مؤامرة دولية هدفها النيل من مواقف الدول المعادية للمشروع الأمريكي – الاسرائيلي، هذا وتعتبر إيران الأراضي السورية ميدان حرب بينها وبين قوى الشر (حسب زعمها).

سوريا محاطة بملفات خطيرة:

هناك عدة ملفات محاطة بسوريا وتجعلها محك أنظار الجميع وتثير الاهتمام من الجميع نذكر منها:

ملف الغاز ومصادره وطرق امداده، وهذا الملف اعتبره أهم الملفات المتعلقة بالأزمة السورية، إلى جانب معركة التحدي الروسي والأمريكي على القواعد العسكرية وصراعهما على مناطق النفوذ في الشرق. كذلك معركة التحدي الصيني الأمريكي على الاقتصاد العالمي والطاقة وطريق الحرير وغيرها، وأيضاً الملف النووي الإيراني ودور إيران الاقليمي، وكذلك أمن الخليج العربي والصراع بين إيران والسعودية وقطر على دور ومستقبل المنطقة، والصراع السوري التركي و(حزب العمال الكردستاني والأحلام العثمانية التي لا تنتهي).

وهذه بعض من الملفات الكثيرة والمعقدة التي تحاط بها سوريا ومطروحة بشدة في الأزمة السورية.

على خلفية الأزمة السورية موسكو تتبادل الاتهامات مع واشنطن:

تتبادل كل من روسيا وحلفائها والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها أيضاً الاتهامات بشأن تعطيل مشروعي قرار تم طرحهما في مجلس الأمن حول مدينة حلب والمساعدات الإنسانية، فالولايات الأمريكية ورداً على الفيتو الروسي قامت بتعطيل بيان صادر من مجلس الأمن يدين استهداف السفارة الروسية وذلك خلال اجتماعِ مجلس الأمن. واعتبرت روسيا أن ذلك يؤجج النزاع في سوريا، واتهمت الولايات المتحدة بأنها تغازل الإرهابيين والمتطرفين، بل وذهبت موسكو إلى أن هذا القصف لسفارتها ماهي إلا مقدمة لتنفيذ تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية بشأن إمكانية تعرض روسيا لضربات في سوريا.

سوريا أشعلت شرارة بين الرياض والقاهرة:

تصويت القاهرة على مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن حول الأزمة السورية ومدينة حلب أثار حفيظة السعودية وحدث مايشبه الخلاف بين السعودية ومصرن كون السعودية لم توافق على المشروع الروسي وعلى خلفية هذا الحدث غادر السفير السعودي القاهرة للتشاور مع المسؤولين في السعودية حول مستقبل العلاقات المصرية السعودية.

أزمة بين باريس وموسكو:

يلاحظ أيضاً بأن هناك أزمة وتوتر في العلاقات الفرنسية والروسية مصدرها الأزمة السورية، خاصة بعد أن ألغى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة مقررة للعاصمة الفرنسية باريس، وكذلك تجسد الخلاف عند استخدام روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن على مشروع القرار الفرنسي الذي دعا إلى وقف العمليات العسكرية والقصف على مدينة حلب، بل وقدمت روسيا مشروع قرار مختلف.

إيران وروسيا والحركات المكوكية:

يرى المراقبون بأن توقيع الاتفاق النووي من جانب امريكا والدول الغربية مع إيران يعني التوقيع على نظام اقليمي جديد يكون فيه لإيران دورٌ فاعل، وعلى هذا الأساس ضاعفت إيران وكذلك روسيا من تحركهما الدبلوماسي على صعيد الأزمة السورية باعتبارها المفتاح الذي تتساوى فيه المعادلة الدولية والاقليمية الجديدة.

لذلك شهدنا عدة لقاءات بين وزيري الخارجية الأمريكي كيري والروسي لافروف إلى جانب إطلاق بوتين مشروع جبهة مع السعودية وتركيا والأردن وسوريا، مشروع سماه وليد المعلم وزير خارجية سوريا بمشروع (المعجزة) وحصلت المعجزة فعلاً بعد لقاء رئيس المخابرات السورية علي مملوك مع المسؤولين في السعودية (برعاية روسية) وكذلك زيارته المؤخرة إلى مصر، وكذلك اللقاء الثلاثي (لافروف – كيري – جبير) في الدوحة، أما على الصعيد الإيراني فقد أعلن وزير خارجيتها جواد ظريف عن مبادرتين أحدهما التعاون مع دول الخليج وعلى أثرها زار الدوحة والكويت.

والثانية إقرار أربع بنود لحل الأزمة السورية وعلى أثرها ذهب ظريف إلى بيروت ودمشق وباكستان وموسكو.

تصريحات نارية بين تركيا والعراق:

هاجم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مطالباً إياه بأن يعرف حدوده، حيث قال اردوغان خلال اجتماع له في اسطنبول موجهاً كلامه إلى العبادي:” أنت تهينني شخصياً، أنت لست نداً لي، ولست في مستواي لتفعل ذلك”. وأضاف أيضاً ” ليس من المهم مطلقاً كيف تتصرف وتصرخ في العراق عليك أن تعلم أننا سنفعل ما نريد أن نفعله ولن تستطيع أنت أن تقف في طريقنا”. وأضاف اردوغان أيضاً “من هو هذا رئيس الوزراء العراقي؟ فليعرف حجمه أولاً “.

طبعاً حقد اردوغان هذا نابع من الموقف العراقي إزاء الأزمة السورية، وأيضاً من موقف العراق من القوات العسكرية التركية المتواجدة على الأراضي العراقية حيث يدور الخلاف بين الدولتين على وجود نحو (2000) جندي تركي داخل الأراضي العراقية، ومن جهته أعلن نائب رئيس وزراء تركيا بأن القوات التركية ستبقى في معسكر بعشيقة العسكري حتى يتم طرد تنظيم داعش من مدينة الموصل، ومن جانبه حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي دعا تركيا إلى سحب جنودها من الأراضي العراقية واصفاً هذا العمل باللا أخلاقي وبأنه يتعارض مع القوانين الدولية.

اتجاهات الأزمة السورية:

يتوقع بأن تؤدي مآلات الصراع السوري إلى تغييرٍ في موازين القوى العالمية وإعادة ترتيب القوى الكبرى على قمة النظام الدولي، هذا وينتظر الأزمة السورية تطورات جديدة حسب بعضهم قد تؤدي إلى:

  • حرب عالمية ثالثة خاصة بعد صحوة روسيا وعودتها إلى التفاعل مع العلاقات الدولية.
  • حرب عالمية مصغرة بين السنة بقيادة تركيا والسعودية وبين الشيعة بقيادة إيران وحلفائها في المنطقة، ويرى البعض بأن تداعياتها ستكون سيئة جداً إن حدثت.
  • العودة إلى الحرب الباردة، فبعد أن كانت الأطراف الدولية تشارك في الأزمة السورية عن طريق وكلائها ودون التورط المباشر، نجد أن هذه الأطراف بدأت بالتدخل بشكل مباشر وعلني.
  • سايكس بيكو جديد, بمعنى تفاهم غير معلن بين القوتين الرئيستين (روسيا – أمريكا) على تقسيم مناطق النفوذ بينهما في المنطقة، بحيث يكون لروسيا نفوذ في بعض مناطق سوريا وغيرها، مقابل أن يكون للامريكان مناطق نفوذ في مناطق أخرى، إلى جانب السماح لإيران وتركيا بالقيام بدور ما في المنطقة.

خاتمة:

هذا الواقع المخيف والمخجل والمتردي وتطوراته وتداعياته، ترك لنا إرثاً لا بأس به من التعصب والإرهاب دون أن نعي الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا المصير، فأصبحنا متفرجين ننتظر النهايات.

وتحديداً بعد أن تعقدت الظروف الداخلية والخارجية على واقعنا ووصلنا إلى طريقٍ أقل مايقال عنه بأنه مسدود.

فالوضع السياسي والأمني والاقتصادي و و و يتجه من سيءٍ إلى أسوأ ولا بد من تحمل تبعات ذلك والبحث عن الحلول للوضع القائم صعب وكذلك توقع الحلول.

إن تمسكنا بنفس العقلية وانتهاجنا ذات الأسلوب في التعامل مع الآخرين، والمطلوب منا اليوم قبل الغد وعلى الأقل في هذا الوقت تعزيز الثقة بين مكونات المنطقة والتوجه نحو السلم الأهلي بتصميم أكبر وإيلاء المزيد من الاهتمام بالشعب على مختلف مكوناته باعتبار الشعب هو خط الدفاع الأول عن المكتسبات والانطلاق نحو الفيدرالية كونها الطريق السديد نحو بناء مجتمع ديمقراطي حر يتعايش فيه أبناء الوطن الواحد، وربما نستطيع أن نعيد للوطن بعضاً من كرامته.

زر الذهاب إلى الأعلى