تقارير

الرقة من حاضرة الرشيد، إلى وكر للجريمة والارهاب

bacari-reqa bacari-reqa1 bajari-reqa hezen-suriya-demokrat reqa-menbijتحقيق: مصطفى عبدو

على ضفة نهر الفرات الشرقية وفي وسط الجزيرة السورية والبادية، تقع مدينة وادعة اسموها الرقة والتي تعني الصخرة المسطحة، تتميز هذه المدينة بأنها قديمة وهامة وذات موقعٍ سياحيٍ جذاب، حيث نهر الفرات وسده الكبير وبحيرتها الضخمة وقلعة جعبر في وسطها تعطيها منظراً طبيعياً بديعاً يخلب الألباب.

مدينة الرقة تبعد عن دمشق العاصمة حوالي 200 كم وعن حلب 160 كم.

تاريخ الرقة:

عُرفت مدينة الرقة باسم مدينة الرشيد كونها كانت تشكل العاصمة الثانية للدولة العباسية في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد. ففي عام 772 للهجرة بدأ الخليفة العباسي المنصور ببناء عاصمة صيفية للدولة العباسية بالقرب من الرقة وسميت بـ (الرافقة) والتي بنيت على شكل حدوة فرس وعلى الطراز المعماري في بغداد، وسرعان ما اندمجت هذه المدينة الجديدة مع الرقة، وفي عام 796- 808 استعملها هارون الرشيد عاصمة له.

وفي العصر الآرامي كانت الرقة عبارة عن إمارة تدعى (بيت آدين) وكانت عاصمتها (تل برسيب) في القرن الحادي عشر والتاسع عشر قبل الميلاد، وفي العهد الأغريقي عرفت الرقة باسم (نيكفوريوم) حيث بناها الاسكندر الكبير حين اجتاز نهر الفرات حوالي سنة 244 قبل الميلاد، وفي العهد الروماني سميت الرقة باسم (كالينيكوس) نسبة إلى الامبراطور كالينوس.

أما الأمويين فقد اهتموا بالرقة حيث كانت محطتهم إلى أرمينيا كما أنهم بنوا الحصون والقصور فيها لتأمين الأمن.

الرقة اليوم:

يعتمد اقتصاد مدينة الرقة على نهر الفرات وعلى الزراعة وعلى الحقول النفطية المجاورة، وفي الرقة متحفٌ تاريخيٌ صغيرٌ وآثارها تعود إلى العصرين الأموي و العباسي ومن أهمها:

قصر البنات، الجامع الكبير الذي بني في القرن الثامن الميلادي، وتعتبر الرقة من أهم المدن التي تسيطر عليها داعش، وتعتبر بمثابة عاصمة الخلافة.

الرقة الحاضنة الاجتماعية لداعش:

التنظيم الإرهابي داعش استخدم الإسلام (ايديولوجياً) ليحكم مدينة الرقة، وكذلك استغل طيبة السكان وفقرهم مع انعدام ابسط مقومات الحياة فيها ليجند الشباب ويغريهم بالمال.

يقول أحدهم في هذا الشأن:” إن الاحباط واليأس والفقر وخيانات المعارضة هي التي جعلت الرقة بيئة حاضنة لداعش”.

سجن المهاجرين في الرقة:

وكأنه لم يكتف بالسجون الموجودة مسبقاً، حتى بدأ داعش ببناء سجن آخر ليضيفه إلى السجون السابقة تحت اسم (سجن المهاجرين) وهذا السجن حسبما يقال يخص لناصري داعش من المهاجرين والذين يخلون بتنفيذ ما يطلب منهم.

كيف يعيش سكان الرقة اليوم:

هذا السؤال قد يتبادر إلى أذهان كثير من الناس وخاصة وإن داعش جعلها مركزاً لدولته (الدولة الإسلامية المزعومة) ويحاول بذلك بعث الخلافة من جديد عبر قوانين وتشريعات يعتبرها هو إسلامية إلى جانب اخضاع وترهيب كل من يعارض أهدافه، ولأحكام قبضته على مدينة الرقة يسعى داعش إلى اصدار مراسيم وتشريعات وأحكام كل فترة وأخرى.

بداية بدأ بإغلاق المدارس بحجة أنها تعلم الأطفال ثقافة الملحدين والكفار كما تدخل في شكل اللباس الذي يرتديه السكان وكل من يخالف أوامره تنتظره حفلة إعدام في الساحات والشوارع أمام مرأى ومسمع الجميع، كما إنه استحوذ على أملاك المواطنين ليقدمها لللإرهابيين القادمين من خارج سوريا، وحول معيشة السكان في ظل داعش يقول أحدهم:” لم يبق أمام داعش إلا أن يحبس الهواء عنا”.

ليس بالأمر السهل أن تدرك حقيقة العيش في الرقة (عاصمة الخلافة الداعشية) فقد يتصور أو يتخيل أحدنا طريقة الحياة فيها أو الطريقة التي يتعامل فيها التنظيم الإرهابي مع السكان في المدينة الوادعة (الرقة). ولكن إن تسمع الواقع أو تعيشه فحينها يكون للأمرتأثير مختلف، يتحدث بعض الناجين من عربدة الدواعش عن الطريقة الوحشية التي يتم التعامل وفقها مع الأهالي من (فرض الخوة على المسيحيين، وأخذ المال عنوةً من السكان لتوزيعها على المهاجرين والأنصار)، احدى الفتيات الخارجات إلى الحرية تقول:” عندما خرجت من الرقة ودعت كل الأهل والأقارب وكأنني سوف أذهب إلى الموت أو كأنني سوف أودعهم ليموتوا.

الرقة لوحة فسيفسائية بمكوناتها:

المواطن أبو إبراهيم وهو من سكان الرقة ويقيم حالياً في قامشلو تحدث لصحيفة الاتحاد الديمقراطي قائلاً:” يبلغ عدد السكان في مدينة الرقة حوالي 200 ألف نسمة يتوزعون بين العرب، والكرد، التركمان، والمسيحيين، والجركس، وغيرهم، فالرقة لوحةٌ فسيفسائية وللعلم فإن سكان المدينة نفسها أغلبهم من القادمين من المحافظات الأخرى وسكنوا المدينة، أما الرقاويون الأصليون أغلبهم قطن القرى والنواحي بمعنى أن السكان الأصليين بدأوا بالعمل في الزراعة وبعضهم موظفون لدى الدولة، أما القادمون من المحافظات الأخرى فقد احترفوا الصناعة والتجارة وأعمال البناء.

واقتصاد مدينة الرقة تعتمد بشكلٍ أساسيٍ على الزراعة لوجود التربة الخصبة وتوفر المياه كونها تقع بجانب نهر الفرات.

وحول العلاقة بين المكونات المختلفة في مدينة الرقة يضيف أبو إبراهيم طبعاً وليس هناك مجالٌ للشك بأنه لم تكن توجد أي تفرقة بين السكان أنفسهم، وكانت تربطهم مصالح اقتصادية وبالأخص تجارية، ولم تكن توجد أي حواجز من هذه الناحية باستثناء الدوائر الحكومية بمجرد أن تدخل أية دائرة حكومية ستلاحظ أن هناك تفرقة”.

الوجود الكردي في مدينة الرقة:

وحول تاريخ الوجود الكردي في مدينة الرقة تحدث أبو إبراهيم قائلاً:” حسب معلوماتي إن للكرد دورٌ كبيرٌ في تأسيس وبناء مدينة الرقة وأخص منهم بالذكر (عشيرة جدوع) وهم من أغنياء المنطقة، وهي عشيرة كبيرة وصاحبة أملاك وعقارات، ويقطن المكون الكردي على الأغلب في الجهة الشمالية والشرقية (الرميلة) من مدينة الرقة، وحول عمل الكرد يضيف: المواطن الكردي يعمل في الأعمال الحرة إلى جانب الصناعة والتجارة والعقارات والأعمال اليدوية وقلما تجده يعمل في الزراعة.

ويبلغ نسبة السكان الكرد في المدينة حوالي 10% من عدد السكان وما يلاحظ بالنسبة إلى العمارة في مدينة الرقة بأنها تتميز بالتمدن الأفقي ونادراً ماتجد بناء شاقولياً، ويوجد في المدينة جسران يستطيع المواطنون من خلالهما عبور نهر الفرات احدهما من العهد الفرنسي (الجسر القديم) والآخر يسمونه الجسر الجديد.

رحلة الخروج من الرقة:

وحول خروجه من المدينة تحدث أبو إبراهيم بغصة تكاد دموعه تنهال من مقلتيه قائلاً:” يغلب على السكان في مدينة الرقة الطيبة والكرم وإكرام الضيف، وهذا ما جعل إرهابي داعش يستغلون هذه السمة للتوجه إليها، كما إن هناك تشابهاً كبيراً بين سكان الرقة وسكان العراق (السنة منهم) تشابهٌ في اللهجة والعادات والتقاليد وحتى التفكير”.

بداية الأمر لم يكن هناك أي ضغط يذكر من قبل الدواعش على السكان وتدريجياً بدأت معاملتهم تسوء لتصل إلى حدٍ لم يعد يُطاق، وخاصة بعد تطبيقهم للشريعة الداعشية، الأمر الذي أثار حفيظة السكان باستثناء الجماعة الوهابية الموجودة سابقاً والتي كانت بمثابة خلية نائمة وهم أول من احتضنوا داعش.

انضم بعض الشباب إلى التنظيم الإرهابي طمعاً في المال والمكاسب والإغراءات الداعشية، وما إن وجد الناس منفذاً للهرب حتى بدأوا بالهروب إلى المحافظات الأخرى طلباً للأمن والأمان.

قرار طرد الكرد:

يتحدث أبو إبراهيم إنه بتاريخ 24 / 6/ 2015 صدر قرار من الدواعش بضرورة إخلاء السكان الكرد تحديداً لمنازلهم وخلال مدة زمنية لا تتجاوز /72 ساعة/ والتوجه نحو تدمر عن طريق الجسر الجديد وكل ممتلكاتهم تعتبر من أموال المسلمين وسوف يحتفظ بها شرط أن يذهب الكرد إلى مدينة تدمر حصراً وكل من يخالف يفقد جميع املاكه.

ويتابع أبو إبراهيم حديثه بتاريخ 25/6/2015 خرجت مع عائلتي إلى ريف كوباني وبعد إقامة أربعة أيام توجهنا إلى مدينة قامشلو وعن اختياره لمدينة قامشلو مقراً له أضاف أبو إبراهيم: قامشلو تنعم بالأمن والأمان بفضل الإدارة الذاتية الديمقراطية إضافة إلى وجود المدارس لتعليم الأطفال وأعيش فيها كما أعيش بين أهلي وأقربائي.

التأثير الكردي والتركي على استعادة الرقة:

يؤكد مراقبون فرنسيون بأنه في هذه المرحلة هناك فقط قوتان أساسيتان في سوريا تحاربان الإرهاب الداعشي أحدهما قوات سوريا الديمقراطية المدعومة شعبياً وقوات المعارضة السورية (الجيش السوري الحر) المدعومة من تركيا فلمن سترجح كفة الميزان.

جنود امريكيون يحملون شعار وحدات حماية الشعب في محيط مدينة الرقة يربك الأتراك:

صورةٌ نشرت لجنود امريكيين يضعون شعار وحدات حماية الشعب على صفحات أحدى المجلات أربكت الأتراك وأثارت حفيظتهم، وبدأت الاحتجاجات التركية من جديد ليضعوا الامريكان في خيار، إما نحن أو حزب الاتحاد الديمقراطي.

كارتر يدعو إلى عملية لعزل تنظيم داعش في الرقة:

دعا وزير الحرب الأمريكي آشتون كارتر إلى بدء عملية لعزل داعش في مدينة الرقة حيث قال:” لاستعادة الموصل لا بد من عملية عزل حول الرقة بالسرعة الممكنة، وأضاف نعمل مع شركائنا هنا في سوريا للقيام بذلك مضيفاً أيضاً “ستكون هاتان العمليتان متزامنتان”.

في إشارة إلى الرقة والموصل. وفي حديثٍ آخر قال:” كما في معركة الموصل سيكون المبدأ الاستراتيجي أن تكون قوات محلية فعالة ومتحمسة هي المشاركة في عملية تنفيذ الهجوم على الرقة”.

ماذا ستحمل الأيام القادمة لمدينة الرقة:

سؤالٌ يصعب التكهن فيه في ظل الضوضاء السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة وبالمقابل فإن كل المعطيات تشير إلى أن هناك شتاءً ساخناً أمام هذه المدينة.

ويتوقع بعضهم بأن معركة تحرير الرقة قد تتطلب وقتاً أطول من معركة شقيقتها (الموصل).

بينما يرى بعضهم بأن داعش لن يهزم في العراق إذا لم يهزم في الرقة، ومن جهة بدأ داعش بتعزيز مواقعه، فاستقدم مقاتليه من جرابلس وكذلك من الموصل للوقوف في وجه تقدم قوات سوريا الديمقراطية التي حررت عين عيسى وقرى مجاورة، ولتغيير مسار اللعبة قام داعش مؤخراً بسلسلة من الأعمال الإرهابية القذرة لكن ذلك لن يوقف مكونات شعبنا من السير نحو تحقيق هدفها في الحرية والكرامة والتعايش السلمي المشترك مهما حاول الإرهاب وداعميه زعزعة الاستقرار والأمن في بلدنا.

كيف يمكن طرد الإرهاب من الرقة؟

تظهر هنا أزمة بناء المجتمعات على اسس ديمقراطية في واقع هشٍّ ومخترق من قبل فاعلين غير قابلين للتحديد السياسي والقانوني وغير مقبولين اجتماعيا.

على هذا يجب أن نتعامل مع مسار معقد تختلف فيه مصالح الفاعلين الآنية؛ لكن يجب اقناع الجميع بأن الفيدرالية هي الضمانة الحقيقة لتحقيق مصالح الجميع.

يعتقد بعض الذين تحالفوا مع الإرهاب، أو غنموا من أثره دون أن يتحالفوا معه أنهم جنوا فائدة كبيرة لأنفسهم؛ لكنهم لم ينتبهوا إلى أن ما قاموا به قد جعل عملية بناء الوطن في الواقع عملية عسيرة إن لم نكن مستحيلة؛ أنهم لم يكشفوا عن نقاط ضعفهم للإرهابيين فقط؛ بل عرَّضوا المجتمع كله إلى احتمالات الاختراق والتوظيف.

وإذا كان المستفيدون من الإرهاب يتهمون غيرهم بالجريمة لتوجيه الانتباه عن تحقيق مطالبهم الأصلية (قانون المصالحة قبل المحاسبة)؛ فإنه لا يمكن مواصلة ذلك طويلاً.

بالنظر إلى الحالة السورية (الرقة) نموذجا نجد أنه من الأجدى أن يعاد التأسيس الاجتماعي في المدينة على أسس العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية (الفيدرالية)؛ والتي ستتحول إلى أمل كبير للشعوب المضطهدة لبناء أنظمتها السياسية للقرن 21 ، وبناء المجتمع المدني، وإذا كان هذا صالحًا ومفيدًا نظريًّا لكل العالم؛ فإنه أصلح وأقرب إلى حاجة الشعوب التي تطمح في أن تكون في العالم لا خارجه.

زر الذهاب إلى الأعلى