مقالات

الديمقراطيةُ من الاغريق إلى الأمة الديمقراطية

مصطفى عبدو

كثيراً ما يدور الحديث بين أفراد المجتمع حول الشخص الفُلاني فيقول أحدُهم: باختصار وجدتُ الرجلَ لطيفاً وديمقراطياً, وربما يتدرجُ الحديثُ عن بلدٍ ما فنقول: هذا البلد أو ذاك بلدٌ ديمقراطي.

فما أكثر ما نسمع عن كلمة الديمقراطي والديمقراطية عِبرَ وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة، حتى بعض الأحزاب السياسية سارت على هذا المِنوال فاتسمَّت بالديمقراطية والديمقراطي و و و……….الخ .

فما تاريخُ هذهِ الكلمة وكيف انتشرت؟

عند اليونان الديمقراطية تتألف من لفظين (ديمو) ومعناها الناس أو البشر و(قراط) ومعناها الحُكم.

إذاً فالديمقراطية عند اليونان تعني حكم الناس لأنفسهم.

فهل حكم الناس في زمن الاغريق مثلَ حكم الناس في زماننا هذا؟

فعند الاغريق لم يكن هناكَ فرقٌ بين غنيٍّ أو فقيرٍ ولا بينَ ذو مرتبةٍ علميةٍ وغيره, كما أن حرية الرأي كانت مكفولة.

وقد رأى أرسطو بأن حرية الرأي ضرورةٌ لا غِنى عنها, ولكنهُ كانَ يشجُبُ الديمقراطية تِلك لأنهُ لا تخصُصَ فيه, فكل من شاء قاضٍ وكل من شاء له رأي سواءً في الحربِ أو في السلم أو في غيره.

أن من يجولُ ببصرهِ بين بُلدان العالمِ طويلاً في هذا الوقت تحديداً يتعرفُ على ما فيها من أممٍ ويتعرفُ على ما يسودُها من أنظمة حكم, حتى يستنتج سريعاً بأن الديمقراطية في هذا الوقت له حظٌ قليل، فنجد حكومات لا يمكنُ لنا بأي شكلٍ من الأشكال أن نسميها بالديمقراطية, وهي ترفع من شأن فئة من الناس دون فئة أخرى, كما أنه لا تمثيل للشعب كُلِه ولا انتخاباتَ نزيهة, كما أن حرية الرأي والقول غيرُ مكفولةٍ للشعب, وحتى الوظائف مقتصرةٌ على أهل المذهب الواحد أو العائلة الحاكمة أو المسيطرة والحاشية.

الديمقراطيةُ للشعوب وليست بالشعوب

ما سُبقَ الحديثُ عنهُ ليس مدحاً ولا ذماً إنما هيَ مشاهداتٌ حيةُ وحقيقيةٌ, فهُناكَ حالاتٌ بدأت فيها الشعوب بالتفكك والانحلال, وتسلط فيها فئة على أخرى واستيلاءُ قلةٍ من الناسِ على مصيرِ قلةٍ أُخرى.

هم وصفوا هذهِ النُظُم بالديمقراطية ولكن بعد أن حَوّروا معناها (حكمُ الشعب بالشعب لمصالح الشعب ) فصارت حكم الشعب لخير الشعب ولا شيء آخر.

الديمقراطية في الأمة الديمقراطية

لا يختلفُ كثيراً مفهومُ الديمقراطية الذي طرحهُ قائد الشعب الكردستاني عبدالله أوجلان طريقاً للأمة الديمقراطية والديمقراطية لدى الاغريق، فمفهومُ الديمقراطية في الأمة الديمقراطية المنشودة هي قيامُ مجموعاتٍ لا تعرف الدولة ولا السلطة بإدارة نفسها بنفسها.

أما غيرُ ذلِكَ فيمكنُ تقييمها وإدراجِها في إطار الديمقراطية بالمعنى الضيق, ففي المجتمعات الدولتية لا يمكن انتهاج الديمقراطية الخالصة, بينما تسودُها إدارةٌ متداخلةٌ, الأمر الذي يؤدي إلى فساد السلطة والديمقراطية على حدٍ سواء، فالسلطة تُحَجِّمُ الديمقراطية وتجرُها إلى الوراء, بينما تحاوِل القوى الديمقراطية توسيع حدودِها، من هنا ترى الأمة الديمقراطية بأنه لإنقاذ الديمقراطية لابد من تطوير الإدارات الذاتية الديمقراطية كأقربِ نموذجٍ إلى الحل الصحيح.

إذاً فالوظيفةُ التي تقعُ على عاتقِ المجتمعِ هي إنشاءُ قوىً عصرانية ديمقراطية للوقوف في وجه القوى المدنية وقوى الحداثة الرأسمالية المعاصرة.

زر الذهاب إلى الأعلى