المجتمع

التغريبةُ الكُرديّةُ… إلى أين؟

penabir-%e2%80%ab1%e2%80%ac penabir-%e2%80%ab1%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%acمقدّمة:

إنّ الهجرةَ من المناطقِ الكُرديّة ليستْ حالةً خاصّةً، وهي جزءٌ من هجرة السّوريين، الذّين يهربونَ من البراميلِ والقصفِ والمُفخّخات والدّمار، بعدَ يأسهم من المُجتمع الدولي الذي فشلَ في إيقاف آلة القتلِ في مُدنهم.

وثمّةَ أسبابٌ أخرى للهجرة من المناطق الكُرديّة، كالحالة الاقتصاديّة السيّئة والارتفاع الكبير في الإنفاق الاستهلاكيّ، بصورةٍ لم يعُدْ بإمكان المواطن التماشي معها.

آثارُ الهجرة النفسيّة:

ومن الظواهر الاجتماعيّة السلبيّة التي سادتْ كوباني، بعدَ تحريرها من داعشَ، عودةُ الطاعنين في السنّ إلى كوباني وهجرةُ الأبناء والبنات إلى أوروبا(جنّةُ الله الموعودة)، وذلكَ نتيجة إصرار المُسنّين على العودة إلى ديارهم، وقضاء ما تبقّى لهم من عُمرٍ على أرض الوطن، ورفضهم العيشَ في ضَياع الغُربة.

وأنتَ تتجوّلُ في شوارعِ كوباني، قلّما تجدُ عائلةً قد اجتمعَ جميعُ أفرادها في مكانٍ واحدٍ، فالتشتّتُ صارَ مظهراً عاماً يمسحُ وجهَ المدينة المنكوبة.

وأثناءَ لقائنا مع إحدى الشخصيّات المُسنّة في كوباني (الحاج علي)، تلمّسنا مرارةَ العيشِ في عين أبٍ عجوزٍ وأمٍّ صابرةٍ معهُ، وقد هاجرَ جميعُ أولادهم إلى خارج الوطن، وقد تبعثروا ما بين تركيا وأوروبا.

وقد حاولنا من خلال حوارٍ قصيرٍ أن نصلَ إلى الحالة المعيشيّة والنفسيّة لهذين العجوزين، كمثالٍ على ظاهرة الهجرة.

– كيف حالكما هذه الأيام، هل تشعران بالاطمئنان بعدَ عودتكما إلى كوباني؟:

يقولُ الحاجُ علي: كما ترى والله بقينا وحيدين في هذه الدار الواسعة، التي كانت يوماً ما لا تتسّعُ للأبناء والأحفاد في أيام الأعياد والمناسبات، وصارتْ خاويةً اليومَ علينا. الاطمئنانُ ربّما لأنهم الآنَ بخير، وقد استقرّ كلٌّ منهم في مكانٍ بعيدٍ عنا، لكنّنا نشعرُ باغترابٍ داخليٍّ، بالوحدة والتوتّر والقلق على مصيرهم وأحوالهم.

– كيف تتدبّران أموركما اليوميّة وأنتما في هذا العمر؟

والله الصحّةُ ما عادتْ تُسعفنا على تعبئةِ المازوت في المدفأة عند انطفائها، ولكن نحاولُ أن نقومَ بخدمة أنفسنا، من تحضير الفطور وتأمين الخُبز، وشراء المونة من السوق، وقد تركنا العملَ في الأرض الواسعة التي عندنا، فالزراعةُ والاعتناءُ بالأشجار يحتاجُ إلى القوّة والجُهد. هم يرسلون لنا مبلغاً ماديّاً كي نعيشَ منهُ، وما عُدنا نعتمدُ على نتاج محصول الأرض.

– هل تريدون الذهابَ للعيش معهم أم تريدون رجوعَهم إلى كوباني؟:

الموضوعُ صعبٌ ومُعقّدٌ جداً، الهجرةُ باتت الشّغلَ الشّاغلَ للناس، ما بين ساعٍ إليها ورافضٍ لها.

كلُّ مَن هاجروا لا يحلمون إلاّ بوطنهم، أوروبا قد تكونُ جنّةً، لكنّها لأهلها وليستْ لنا.

صارتِ الهجرةُ وباءً عالميّاً وعدوىً تصيبُ الكثيرينَ، إنهم مُجرّدُ أرقامٍ هناكَ، لا قيمةَ لهم ولا وزن، إنهم لا يحملون أيّةَ قضيّةٍ إنسانيّة أو سياسية، القضيّةُ في رأيينا أن نبقى في ديارنا، الأرضُ بالنسبة لنا ليست أشياء جامدة، هي الشّرفُ والكرامةُ والأمُّ. عندما تمرضُ الأمّ فالواجبُ أن نبقى عندها لرعايتها حتى تتعافى، لا أن نتركها تصارعُ قدرَها وحدَها. ربما يكونُ صعباً وقاسياً علينا أن نقولَ ذلكَ بحقّ أبنائنا الذين هاجروا عنا، لكن الحقيقةَ يجبُ أن تُقالَ.

هم غادروا بملءِ إرادتهم، ولكن لا أدري إن كانت العودةُ بإرادتهم.

إنّ كوباني تُبنى من جديد، بعد أن تحرّرتْ من الدواعش، ولكن بأيّ أيدٍ ستُبنى إن افتقرتْ إلى سواعد رجالها وبناتها.

سنبقى نحنُ هنا، وكوباني ستبقى جنّتنا، حتى لو كانت ناراً علينا.

خاتماً

لا يخفى على أحدٍ أنّ ظاهرةَ الهجرة التي بدأت بعد فترةٍ وجيزةٍ من بداية الأزمة في سوريا، وذلكَ الفقدان مجالات العمل بشكلٍ عامٍ ولقلّة فُرصِ التنقّلِ بين المناطق السوريّة المختلفة، نظراً لتنوّع الفصائل المُسيطرة على الأرض، تُشكّلُ هذه الظاهرةُ سابقةً خطيرةً في ضياع ليسَ فقط أناسٍ كانوا يعيشون على أرضهم، وإنما ضياعُ ذاكرة وتاريخ شعبٍ، وبالتالي اندثار هذا الشّعب، نتيجةَ انصهارهِ في البلدان المُهاجرة إليها، وما يزيدُ من هذه الخطورة هو هجرةُ العقول والشباب الذين بهم تنمو وتزدهرُ الأممُ والمجتمعات.

ومن المعلوم أنّ الشبابَ هم عمادُ الأوطان، فإن حضرتْ عقولُهم فقد بُنيَ الوطنُ وتقدّمَ وتحضّرَ، وإن غابوا فقد ذهبَ الوطنُ بلا عودةٍ.

نارين تمّو

زر الذهاب إلى الأعلى