ثقافة

التشكيلي حسين علي، عشقُ الأرض، وصَرخةُ وَطن

img_3561فنانٌ تشكيلي ونحاتٌ برع أنامله في التصميم عان الكثير في حياته وخلال مسيرته الفنية تعرف على العديد من الشخصيات والقيادة البارزة على الساحة الكردستانية والعربية لم يتمكن منه الإغراءات والتنميقات من قبل العديد من الشخصيات والذين يسميهم الفنان بالانتهازيين بالتأثير عليه طيلة صولاته وجولاته بحثاً عن لقمت عيشه ومكاناً يمارس فيه فنه وموهبته الإلهية، التقينا به في مكان عمله ومعرضه بنفس الوقت، والذي لا يتسع  للوحاته المعروضة ويعاني كثيراً منه، العديد من الوعود حول فسحة أوسع من المكان الذي يعمل به والذي يشببه ببعض الأحيان بأنه دكانً لبيع البقالة وأن تلك الوعود تذهب دائماً في أدراج الرياح مجرد أن يذهب صاحب الوعد، قنوعٌ بحياته لا يتراجع يمتلك إرادة مكنه من تغلب المصاعب والعراقيل التي اعترضته خلال مسيرته الفنية والشخصية ،حاولنا خلال لقائنا به أن ندخل إلى أعماقه رغم أنه لا يحبذ اللقاءات الإعلامية بل ويرفضها في أغلب الأحيان، في رصيده الفني الكثير من الأعمال الفنية المتنوعة، بدأ الفنان التشكيلي حسين علي الرسم في سن مبكرة، منذ كان في سن 14 عاما، ليصبح اليوم من أوائل الفنانين الكرد الذين استخدموا طريقة الكي على الخشب في الرسم والفن التشكيلي بشكل عام، ويعد من أحد أشهر الرسامين الواقعيين على مستوى أجزاء كردستان الأربعة، الرسام والفنان التشكيلي حسين علي من مواليد قرية كرزيوان التابعة لمدينة قامشلو عام 1965، وككثير من الفنانين، جرب الرسام حسين علي الكثير من الأساليب ووسائل الرسم والنحت، ليتطور من الرسم وبالأسلوب الواقعي وليبدع في الرسم على الخشب بأستخدام الكاوية (آلة الحرق)بدلاً من الألوان والأصبغة، هذا الأسلوب الفريد بين الأوساط التشكيلية الكردية يعد أسلوباً فريداً خاصاً به، ويجمع فيه بين الثقافة الشرق أوسطية العامة وبين الثقافة والواقع الكردي الذي ينتمي إليه الفنان حسين علي ، ويتجلى ذلك التقارب بين القضايا والأحداث التي تتسم بكونها متنوعة ومتشابهة في الوقت ذاته، من خلال أعماله الفنية.

الاستخدام الدقيق والمميز لآلة الحرق في تصميم وإعطاء اللون المتدرج بين الأسود والبني، والتعبيرات الحيوية والحركة الانسيابية الدقيقة يمنحنا لمحة عن تلك الثقافة الشرق أوسطية، و التي تخلص إلى نتائج فلسفية متشابهة، ويعطي بنية الخشب وشكله، إضافة إلى النار الذي يستخدمه في تصميم وكي الخشب يهب ويسكن النفس طقوسً روحية يجسدها في لوحاته المتعددة المعاني والوجهات، من خلال تدفق اللون، وضبابيته أحيانا لكي يشكل بذلك العالم الذي يريد التعبير عنه من خلال حركات يبتكرها .

لذلك تدمج لواحته بين الروح المقاومة والثائرة والتأمل والعمل، وإذابة الحاجز بين الأمل  والحياة اليومية الواقعية في روج آفا وكردستان عامة. والفن هنا بمثابة جسر بين الوعي والنفس واستنباط الذكريات وصور المعاناة وعفوية التفكير.

يسعى الرسام لأن يقدم لوحات واقعية، مكسوة بثوب تجريدي، الحركة الخارجية تكاد تكون واقعية، وما تعبر عنه من الداخل هي عوالم قابلة للتأويل، وهي تدعو، بكل ما تمتلك من طاقة عفوية تعبيرية، إلى العودة إلى ثقافة الوطن بما يمتلك من خزينٍ روحي عميق لم يجد صداه كثيرا في لوحات الفنانين المعاصرين.

الفن التشكيلي أو الرسم بالحرق على الخشب هو فن يجمع بين الرسم والخط، وقد يستخدم معه النحت لإبراز بعض الجوانب وخلق مؤثرات فنية، ويكون الرسم بآلة تسمى ( الكاوية ) وهي تشبه إلى حدٍ كبير الكاوية  التي تستخدم في لحام وفك الأجزاء الإلكترونية، وتأتي برؤوس مختلفة ففيها المحدب وفيها الحاد وفيها الزاوية (مثل القلم ).

الحرق على الخشب من الأعمال الصعبة وصعوبتها تكمن في عدم أمكانية التراجع عن الخطأ بحرية مثل باقي أنواع الرسم ، ويجب تحري الدقة فيها وتخفيف الضغط على آلة الحرق وتثقيلها في آن أخر لخلق تفاوت بين  تتدرج اللون (الأسود والبني الغامق ثم الفاتح للتعبير عن الظل والضوء) .

وكل هذا لا يأتي بسهوله ولكن الشيء المميز في هذا النوع من الفن التشكيلي، هو أن الفنان الذي يستخدم الحرق على الخشب بإمكانه أدراج الرسم والخط والنحت جميعاً في وقت واحد، لأن اغلب رسومات هذا الفن يكون فيها شيء من البروز الذي يضيف جمالاً وبعداً للوحة المرسومة. وتأتي جمالية هذا الأسلوب والنوع من الرسم  بأن الفنان يحاكي الطبيعة بأدوات الطبيعة الأصيلة (الخشب والنار) أي إن اللوحة تكون ثابتة بألوانها  الطبيعية والتي لا تختلف ألا وهي لون الخشب الفاتح ومن ثم لون الحرق المتدرج من الخفيف إلى الثقيل فتتمازج مع بعضها وتظهر لنا في غاية الجمال والروعة.

إن فن الرسم على الخشب الذي يبدعه فناننا يتأثر بالطبيعة وأن الألوان تعكس درجات ألوان الأرض.

وأوضح “الألوان اللون البني والدرجات البني هو من لون الأرض ودرجات لون الأرض من الطين للرمل موجودة بألوان الحرق وأن مدى تمسك فناننا  بهذه الهواية التي نمت وترعرعت معه منذ أكثر من ثلاث عقود من الزمن دليل على مدى تمسكه بالأرض والارتباط والانتماء للأرض.

 يقول الفنان حسين علي أن رسم لوحة بهذا الأسلوب الفني يستغرق وقتا طويلا وجهدٌ ودقة ومهارة في التعامل مع مادة الخشب القابلة للاشتعال وللتلف، وكيفية التعامل مع ألة الكي والحرق.

ويخصص فناننا ساعات طويلة من يومه لفنه الذي أصبمن القضاياجزأ منه، تجده وفي كل الظروف والأوقات يعمل في مرسمه وورشته الصغيرة التي تعج باللوحات والقطع المنحوتة ،وأدوات عمله وحتى بعض بقايا القطع المعدنية (الشظايا) التي خلفها التفجير الإرهابي الذي أستهدف مدينة قامشلو في 27/7/2016 تلك الشظايا والتي أصبحت كقطع فنية تعبر عن مدى المأساة والفاجعة التي تعرض لها شعبه، لكن الفنان حسين علي يصر على البقاء وديمومة الأبداع وإن الحياة لا تتوقف لديه بل تستمر بالمقاومة كما هي لوحاته و منحوتاته المستوحاة من الواقع بكل كينونته وأحداثه والواقع الذي هو منبع استوحاه وأبداعه.

ويقول الفنان التشكيلي حسين علي أنه يستحضر فنه من  القضايا التي نعيشها كقضية الثورة والمقاومة والثقافة والتراث الشعبي الكردي.

ويقدم الفنان حسين علي والبالغ من العمر 51 عاما فنه كشكل من أشكال الثورة والمقاومة.

تنقل الفنان حسين علي في أجزاء كردستان الأربعة حيث بقي مدة طويلة من عمره في باشور كردستان وفي عهد النظام البعثي العراقي في فترة الثمانينات ، كذلك عاش في لبنان في الضاحية ثم جونيه وعمل فيها كفنان ويقول إن لبنان تأتي في المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث الانفتاح الثقافي والفني وهي من المراكز الفنية المهمة، كذلك عاش الفنان حسين علي في تركيا حيث أمضى سنيناً في شمال كردستان وتركيا ويقول إن تركيا بكونها مفتوحة على أوروبا من الطبيعي أن تكون فيها حركة ثقافية وفنية نشطة ومزدهرة على عكس أجزاء كردستان التي كانت ومازالت تعاني من الظلم والاضطهاد وحتى الفساد خاصة بين الأوساط السياسية الحزبية السلطوية، والتي تريد احتكار كل شيء حتى الفن في خدمته السياسية والشخصية حتى ، لذى كان من الصعب العمل كفنان مرتبط بفنه ومؤمن بقضية شعبه ويحمل في داخله قيم ومبادئ في مثل هذا الوسط إلى جانب كسب لقمة العيش، ويقول الفنان حسين لقد قدم له العديد من العروض من قبل بعض المتنفذين لكنه رفض كل العروض لما لها من أبعاد سياسية تتعلق بالعمل لصالح أصحاب تلك العروض في أن يكون فنه وعمله لخدمة أجنداتهم وشخصيتهم السياسية، ويضيف أنه يفضل العيش هو وعائلته بواقعهم البسيط ووفق مبادئه التي شب عليها، حيث كان النافر القومي والوطني بين عائلة مؤلفة من 14 فرداً انتهجت النهج الشيوعي وعمل بكد وجهدٍ لكي لا يكون تابعاً أو أداة بيد أحدٍ ما.

تجاعيد وجهه ويديه تروي لنا المعاناة التي مر بها خلال مسيرته  من قريته إلى المدينة ثم لبنان والعراق وطهران وتركيا، وتشير تلك الخطوط المحفورة على جبينه  إلى مدى المقاومة التي أبداها في سبيل الحفاظ على مبادئه وكيانه الشخصي، شخصية الفنان حسين علي .

روى لنا الفنان حسين علي العديد من التجارب والقصص التي مر بها خلال رحلته الطويلة بعضها كانت تراجيدية تلامس الواقع الذي يعيشه الكرد البسطاء وأخرى كانت مليئة بروحٍ من الاندفاع والمقاومة لتلك الظروف القاسية والمريرة التي عاشها الفنان والتي ربما تكون صفة عامة يعانيها فنانون وأناسٍ يرفضون الاستسلام أو الوقوف عند أول حاجزٍ يعترض مسيرتهم في الحياة أويفرضه واقعاً معين و يؤثر على حياتهم، الفنان حسين علي يتابع مسيرته الفنية بنفس العنفوان الذي بدأ به مسيرته ،ويسعى لأن يؤسس لمدرسة فنية في روج آفا لكن الظروف المادية الصعبة تشكل عائقاً أمام طموحه هذا.

 قدم العديد من المعارض وشارك في العديد من المعارض الفنية المشتركة في أجزاء كردستان الأربع وخارجها، التشكيلي  حسين علي، استطاع بأعماله وعرضه الفني تحت شعار ” صرخة وطن”  والذي جال العديد من المدن والمراكز الثقافية الكردية ،أستطاع  أن يبرز مدى معاناة الأطفال والنساء والشيوخ في ظل الأوضاع الراهنة ، ألمُ ألوانٍ من واقع حي، حسين علي، كان يعيش اللحظة أثناء إنجازه الأعمال الفنية، تقنية تعبيرية داكنة كئيبة تظهر للعالم ، نضال ومقاومة الكرد في معركتهم ضد الإرهاب، من جهة، ومدى التشرذم الذي نتج عن الأعمال الإرهابية التي قام بها عناصر داعش الإرهابي في غربي كوردستان وجنوبيه، من جهة ثانية، أطفال عادوا إلى الحياة من جديد، ابتسامات مخفية، تخفي رواءها قصصاً ستُروى.

في 22/5/2015 قدم معرضاً على أرض “باركي آزادي”، بالعاصمة الثقافية لباشوري كردستان مدينة السليمانية، تحت شعار “صرخة الوطن” حيث عرض أكثر من 65 لوحة تشكيلية متبعاً أسلوب (الحرق على الخشب)، وأعتبر هذا المعرض الأول بمدينة السليمانية وعبر في لوحاته عن مآسي الكرد في أجزاء كوردستان الأربعة، الجزء الأكبر منها عبرت عن معاناة ومأساة مدينة كوباني التي قاومت إرهابيي داعش .

وقدم عرضاً في 21/8/ 2015 في مركز الثقافة والفن بمدينة عامودا، وفي 12/9/2015 قدم عرضه في صالة  مركز الثقافة والفن واش وكاني  بمدينة سري كانيه، كذلك قدم عرضاً  في 20/9/2015 في مدينة الدرباسية.

وفي الـ 17/10/2015 قدم عرضاً  بـ 85  لوحة فنية في مركز باقي خدو في مقاطعة كوباني .

وأشار الفنان حسين علي أن الهدف من هذا المعرض (صرخة وطن) والذي جال أغلب مدن مقاطعة الجزيرة وفي باشور كوردستان ومقاطعة كوباني، عرضُ واقع أبناء شعب روج آفا ونضاله ومقاومته خلال ثورة روج آفا،

وتضم عموم لوحات الرسام والفنان التشكيلي حسين علي رموز بسيطة من نبض الواقع في المجتمع، ويستخدمها في نقل فكرة معينة للمتلقي حيث تكثر لوحات رسم المرأة والأطفال والرموز الوطنية والقومية التي

وفي تقييمه  لدور الفنان والمثقف والكتاب الكرد في روج آفا خاصة وكردستان عامة يرى الفنان حسين علي ، أن المثقف الكردي في المرحلة الراهنة دوره شبه مغيب وهذا عائد بشكل مباشر إلى كون أقلامهم مقيدة وغير حرة في الكتابة بسبب خلفيات سياسية أو آراء حزبية ضيقة لذا يجب على الفنان والمثقف أن يتخلص من التبعية وان يكون صادقاً مع شعبه وفنه وثقافته.

كذلك أشار إلى الدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام الكردي لتسليط الضوء بشكل أكثر قوة وان يكون اكثر مهنية في هذه الأحداث التي يمر بها كردستان عامة وروج آفا خاصة .

 وبعد حديثٍ شيق تخلله الحزن والألم والفكاهة والأمل وفي ختام لقائنا معه حدثني بأنه يُحضر لمعرض فني سيقدمه في ربيع العام القادم وأن الأمل بانتصار ثورة الشعب في روج آفا قريب وأنه لن يتوقف عن عمله كفنان ومقاوم مهما كانت الظروف .

أعداد – دلبرين فارس   

زر الذهاب إلى الأعلى