ثقافة

الالتزام …في الأدب الكردي

 canda kurdدوست ميرخان – إن تناول الظاهرة الأدبية باعتبارها ظاهرة اجتماعية تنتمي للمجتمع  وليست دخيلة أو أداة فرضت نفسها على تجمع أنساني معين أو ضمن شروط محددة كما يذهب إليه البعض في ربطهم للأدب بجوانب محددة أو بمصطلحات تصنعيه جزئية خارج النظرة الكلية للظواهر والقضايا الإنسانية، فحتى العالم الحيواني والنباتي لديهما ظواهرها الطبيعية المنشأ تتطور وتتغير وفق مقتضيات الحاجة والضرورة، ولكن تبقى ببنية محددة فطرية وليست مكتسبة لحد الإشباع، كما لدى الكائن البشري العاقل يقودنا الحديث عن عنصر الوعي الاجتماعي الأدبي، الذي يتشكل عبر صيرورة تاريخية .

وبالتالي فدراسة أي ظاهرة أدبية تقتضي بالضرورة علمية التناول من أجل فهمها وتحليلها تحليلاً علمياً بعيدا عن الأهواء الشخصية، والتنميقات الفكرية سواء كانت سياسية أو فكرية مؤطرة، وتقتضي كذلك ربطها بالطبيعة الإنسانية وبالواقع الاجتماعي والشرط والظرف التاريخي الذي أنتجها بالشكل الكلي المترابط دون تفضيل أو تجزئ أو تقديم حالة على أخرى، بل يجب التحليل بالشكل الكلي والتراتبي للأحداث وبالبنية الأدبية للظاهرة الأدبية.

إذن عندما نتناول الأدب باعتباره ظاهرة لها طبيعة فطرية ارتبطت “بالكائن الواعي” نكون مرغمين بالضرورة للعودة إلى التاريخ لنكشف من خلالها مجموعة من الحقائق التاريخية والعلمية التي ارتبطت بالوعي الإنساني وتشكله عبر التاريخ، لعب فيها شكل التجمع الإنساني وتحديات المرحلة المرافقة لهذا التطور الطبيعي البنيوي للفكر الإنساني بشكله الأدبي، دوراً في توظيف كل حالة أدبية وفق مقتضيات وضرورات معينة استوجب طبيعة الرد الإنساني على التغيرات التي تطرأ أو تمس طبيعة الإنسان وما يحيط به على هذا الكون الكلي المتجانس.

الأدب واللغة هي أعظم أدوات الإنسان في تعامله مع عالمه وفي السيطرة عليه، لكنها ليست أدوات عمل كأدوات الإنتاج إنما هي أداة أعم، تقف وراء العمل الاجتماعي كله ووجودها شرط ضروري لقيام المجتمع، وهي ليست نتاجا طبيعيا فقط، بل هي نتاج اجتماعي يمثل تطور صلة الإنسان بعالمه الاجتماعي وعلاقاته بماحوله.

 الأدب هو وليد الحاجة العملية والخبرة البشرية فهو إذن أداة راقية يدرك بها الإنسان عالمه ويلم بها شتات واقعه، ومن خلاله يعبر وينقد ويصوغ ويهيئ لعالم أكثر توافقاً مع الضرورة الاجتماعية وطبيعة الإنسان القويم. والأدب كما سبق انعكاس للعالم وتعتبر اللغة سواء كانت رمزية كتابية أو صوتية ناقلة لهذا الانعكاس في مخيلة الأديب.

 لذلك فأدب كل جماعة يعكس بشكل خاص علاقة هذه الجماعة بواقعها ومحيطها الخارجي بما تتضمنه هذه العلاقة من عمل اجتماعي، وتجربة روحية ومثلٌ أخلاقي أعلى.

الأدب ارتبط بالإنسان العاقل، المفكر، الموجود، الاجتماعي، لا يخلو من تقييمات إيديولوجية وسياسية لطالما شكل ركيزة ليس للأدب وحده بل للفكر الإنساني بشكل عام،

النهج المادي العلمي يصوغ موضوعية العلاقة بين الإنسان وعالمه، كما يصوغ معناً للواقع يتضمن المادي في الفكر الإنساني، أي يتضمن علاقة الإنسان بالعالم المادي، ثم علاقة الأنسان بالإنسان فتبدو الظواهر في هذه الصياغة متشابكة ومتداخلة وجامدة ونسبي التأثير والتأثر في الحالة الأدبية الإنسانية، وفي هذه الصياغة تتبدى كل ظاهرة في خصوصيتها كما تتبدى في علاقتها بغيرها من الظواهر، ويتبدى المبدأ الجمالي في تفسير الظاهرة الفنية والأدبية في تاريخيتها واجتماعيتها.

الفهم الصحيح والعلمي للتاريخ وقوانين تطور الأدب يبدأ من الربط العلمي بين ((المادي والروحي، الذات والموضوع، الشكل والمضمون) بين الظواهر الثقافية والاجتماعية والواقع الذي أفرزها.

كيف يمكن أن نتصور إنتاجا أدبيا ما دون أن يكون هذا النتاج متصلا اتصالاً وثيقاً بالمسألة الثقافية والروحية ودون أن يكون على ارتباط بالمجتمع في مختلف صوره وأشكاله أي دون أن يكون “مؤسساً” على تصورٍما للإنتاج الفني والأدبي أو على صلة بالمجتمع في واقعه وصيرورته؟ وكيف يمكن لنا أن نتخيل هذا “التصور” الفني أو الأدبي بدون أن يكون له “جذرً تاريخي والذي هو جزء من تاريخ المجتمع الذي ينتمي إليه ؟.

إن الدراسة في الأدب الكردي والخروج بظاهرة الأدب الكردي الملتزم يمكن استنباطه بإسقاطاتٍ ومقارباتٍ بهذا الشكل للفهم الصحيح والبناء الرصين، وإن مقاربة موضوع الأدب الملتزم  مقاربة موضوعية وفق التحليل الذي وردناه نستشف منه ونسعى إلى الكشف والسؤال عن ماهية هذا الأدب وعلاقته بالمجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار لا يستقيم هذا الموضوع دون تناول ومساءلة الإنتاج الفكري الإنساني الهادف إلى التغيير وتحويل العالم وفق رؤية فلسفية أيديولوجية  منسجمة لها منطلقات واقعية ونظرية تحتمي في صراعها ضد رؤى أخرى على تضاد لها، بعلمية التناول وحتمية التاريخ والمشروعية الاجتماعية.

تناول هذا الموضوع يرغمنا لا محالة على طرح مجموعة من الإشكاليات التي يبدو لنا طرحها ضروري من أجل فهم عميق لخلفية هذا الطرح الأدبي وكذلك لأساليب تعبيره وتوصيله لرسالته الأدبية والتغييرية، هذا ومن جهة أخرى لمعرفة ماهية الأهداف التي يهدف الأدب الملتزم إلى تحقيقها سواء فيما يتعلق بواقع المجتمع أو بواقع الأدب والفن ثم الفكر البشري بشكل أعم.

الأدب الملتزم إذنً شكل من أشكال التعبير السياسي الأيديولوجي الأخلاقي، ومحاولة فصل الأدب عن الأيديولوجيا محاولة يائسة وفي نفس الوقت، إن أي عمل أدبي كيفما كان نوعه هو أولاً وقبل كل شيء عملية اختيار لجزء أو رقعة أو ظاهرة ما للحياة المجتمعية لكنها مرتبطة بالكل المحيط.

وعملية الاختيار ليست بريئة ومعزولة عن الصراعات والتناقضات التي تخترق المجتمع، وتدفع صيرورة تطوره، أي أن الاختيار موقف في حد ذاته تمليه رؤية محددة لهذا الواقع المجتمعي، واستيعاب له وطموح نحو الفعل فيه.

نجد الباحث في مجال الأدب الكردي يجد نفسه، بصدد أدبيين –إن صح التعبير “أدب المؤسسة، أي أدب ملتزم بالشكل العام للقضايا الاجتماعية هذا الأدب الذي غالبا ما يعبر عن الفئات الاجتماعية المسحوقة، أي أنه يصور حياتها وينقل معاناتها وألآمها وكذلك أمالها، لذلك فهذا الشكل من الأدب دعوة صريحة إلى تغيير الواقع الاجتماعي وتحسين الحياة المعيشية وهذا الصنف من الأدب نراه بشكل واسع في الأدب الكردي العام، لكونه لا يخدم ويشوه صورة المؤسسة الأدبية الرسمية هذا أن جاز التعبير عن تمأسسة الأدب.

الصنف الثاني للأدب أدب السلطة الذي يحمل في طياته إيديولوجية الطبقات الحاكمة والسائدة ويترجم واقعها ورؤيتها للعالم، هنا أيضاً نجدد العديد من الأدباء الكرد قد وضعوا نتاجهم الفكري الأدبي في خدمة تلك الجهات السلطوية (باشوات-اغوات –وأمراء وسلاطين) والتي كانت تشكل مناص ومأوى مستقراً لهؤلاء الأدباء.

لكن الذي نود التأكيد عليه هو دور الأديب في تصيغ أدباً سياسي اجتماعيا يلائم ويساهم في التحرر من الجور والاستبداد وهذا الصنف من الأدب له تاريخاً عريق في الواقع الكردي وتكاثف هذا الصنف الأدبي بشكل بارز مع مطلع القرن العشرين.

 أحداث مرتبطة بالواقع الكردي وشخصيات بطولية والقيم الإنسانية الثابتة صاغها الأدباء الكرد على شكل قصص وروايات وقصائد شعرية وأغانٍ لامست الشعور الروحي لدى الشعب الكردي وشكل تجربة كردية رائدة في الأدب سواء كان محكياً أو كتابياً هذه التجربة الاجتماعية السياسية والتي انعكست الواقع الكردي في كافة المجالات والأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعَبَّرَعن أمال وتطلعات الشعب الكردي.

الالتزام في الأدب الكردي يختلف عن الالتزام الأدبي عند منظري وأصحاب المدارس الفكرية والأدبية، الغربية والسوفياتية والعربية   لكن يبقى هناك مفاهيم وسمات مشتركة بين الكل الأدبي العالمي المشترك باعتبار أن هناك حضارة وثقافة إنسانية مشتركة إن الأدب الكردي جسد الواقع الكردي والتزم قضايا الشعب الكردي رغم كل الغلال المفروضة عليه ولم يكترث أو يستدر نحو الخلف بل توارثه الأجيال وأسهبوا في فضائه وتنظيم مساره الحقيقي.

وحتى يكون الأدب في خدمة المجتمع وقضاياه الجوهرية المتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة أي حتى يكون ملتزما يجب أن ينتمي إلى الشعب، والأدب الكردي لم يولد في كنف السلطة بل ترعرعه من صميم الشعب (من جكرخوين إلى تيريش وبيكس….) والمئات من الأدباء في العصر الحديث، ناهيك عن كوكبة من عمالقة الأدب الكردي خلال القرون التاريخية السابقة والذين جسدوا الالتزام في أدبهم في القضايا والمواضيع الكردية أرضا وشعباً.

 الأدب الملتزم وفي رأيي هو الأدب الذي يمتد جذوره إلى أعماق المجتمع والذي يصيغ الواقع بحقيقته الموضوعية ويكون قابلاً للفهم يحمل رسالة إنسانية يرتقي بالإنسان وبالتجمعات الإنسانية لمصاف راقية تليق بالإنسان كأرقى مخلوق بين المخلوقات

 وكما يقول مكسيم غوركي عن الأدب:” أن نبتكر، بمعنى أن نستخلص من واقع معين، بكل تعقيداته تلك الفكرة الرئيسية وأن نجسدها في الصور وما نصل إليه بذلك هو الواقعية، ويشير إلى موقف ثوري من الواقع موقف يعمل على تغيير العالم بطريقة ثورية عملية”.

النتاج الأدبي ينهل مادته الأساس من الواقع الاجتماعي، بل يمكن اعتباره مرآة تعكس تشابك وتنافر العلاقات الاجتماعية في مجتمع ما وبين المكونات المجتمعية والسلطة الحاكمة من جهة أخرى، وقد يكون بعيداً عن الواقع عندما تكون معطياته تستند إلى واقع الخيال والتصور، لكنه بذات الوقت يقتنص آلياته من الهامش الاجتماعي وليس محوره الأساس.

ومفهوم الالتزام الأدبي يرتكز في إحدى مكوناته الأساس إلى المنظومة الأخلاقية للمجتمع التي تستند إلى ثورية المجتمع وقدرته على النهوض وفق معطيات تنشأ وتتراكم خلال مراحل زمنية غير محددة.

ومع تزايد وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا هذا وغلبة الشكل على المضمون لم يعد هناك اكتراث لمفهوم الالتزام وعدم الالتزام الأدبي، خاصة في المجتمعات التي تجذره فيها الطبقية ومفاهيم الأدنى والأعلى ،تشير نماذج من المجتمعات الأوربية التي بلغت الذروة في الالتزام مع انتهاء الحرب الباردة على ذلك ،على عكس شعوب أمريكا اللاتينية التي لازالت تتصدر الالتزام في أدابها في القارة الأمريكية وعلى مستوى النصف الشمالي من الكرة الأرضية ،أما المجتمعات العربية والتي لم تتمكن إلى اللحظة من تجاوز التبعية والصراعات الدينية والمذهبية والعقدة السلطوية رغم ظهور عدد كبير من الأدباء الخارجين عن دائرة الاستهلاك السلطوي خاصة في مصر والمغرب العراق ولبنان وفلسطين، فقد بقيت تعاني من الانقسام الفكري والأدبي وأصبحت مسالة الالتزام لدى بعضهم مجرد استهلاكٍ وتقليدٍ استشراقي لا يحمل في مضمونه معانٍ ومفاهيم يثير ويؤسس لمجتمعٍ ثوري حتى على مستوى القضية المركزية الإلزامية العربية ألا وهي القضية الفلسطينية وهذا بدى واضحاً في الثورات العربية التي لم تنجز إلى الآن شيء من تطلعات شعوبها بالتحرر والدمقرطةلا بل ولدة صراعات دينية ومذهبية وطبقية ، بالعودة إلى الواقع الكردي من هذه المسألة لاشك أن الأرضية المناسبة والنابعة من صميم الواقع الاجتماعي أضافة لتعقيد  القضايا الكردية والتي تجتمع في وحدة كلية ألا وهي قضية أرض وشعب إضافة إلى تَمكُن العديد من المفكرين الكرد من بلوغ مستويات عالية من التفنن والإتقان في اللغة سواء كانت اللغة العربية أو التركية أو الفارسية  أو الكردية كل هذه الظروف والمناخات الملائمة مهدت لنشوء أدباً ملتزم ويمكن مناقشة مفهوم الالتزام وعدم الالتزام الأدبي الكردي من خلال ثلاثة محاور:

1-الالتزام الأدبي الأخلاقي:

 يستند النص الأدبي الكردي إلى إبراز القيم الأخلاقية والوجدانية والجمالية للشعب الكردي وللطبيعة الجغرافية للوطن الكردي الزاخر بألوان الطبيعة المادية والروحية عبر صياغة أدبية على شاكلة رواية أدبية أو أغنية فلكلورية أو بأسلوبٍ شعري وهذا الجانب الأدبي الملتزم الأبرز والذي برع فيه العديد من الأدباء ضف على ذلك الموروث الثقافي الكبير من زردشت إلى ماني وخاني.

منظومة قيم الخير والشر الجميل والقبيح الصدق والكذب في التعبير الأدبي الكردي بارزٌ بكثرة في الكتابات الأدبية الكردية، وهذا ليس لها علاقة بالتطور (المحدث) للالتزام الفكري (الطبقي) بالأدب الذي اعتمد عليه الأدباء العرب أو تستند إلى مفاهيم ميتافيزيقية، كما العديد من الفلاسفة والمفكرين ذو المنشأ الثقافي الديني.

2-الالتزام الأدبي الفكري:

 هذا المحور يسقط منظومة فكرية محددة على النص الأدبي ليتم تحديد تطابقها الفكري، فأن تطابقت فكرياً معه أصبح النص الأدبي ملتزماً وأن اختلفت بشكلها وتعابيرها،

الأدب الكردي لم يحمل أيديولوجية فكرية معينة ومحددة حتى الوقت القريب لكن مع تفاقم القضايا القومية والحقوقية تبنى بعض الأدباء الكرد منهجاً فكرياً أيديولوجياً لقضاياهم القومية أسوة ببقية الشعوب والأقوام وخاصة بعد صياغة المفكر الكردي الكبير وفيلسوف العصر”عبدالله أوجلان” لأيديولوجية كردية معاصرة بعيداً عن التعصب القومي والدين أيديولوجية “العصرانية الديمقراطية” أصبح الأساس الفكري للأدب الكردي الملتزم ويمكن أن يكون الأساس  الفكري للأدب الملتزم العالمي كونه يعالج القضايا العالقة والمستفحلة في الشرق الأوسط عامة .

وهنا سأستعين بمؤسس الالتزام (سارتر) حول أدلجة الأدب حيث يرى “بأن (الالتزام) في الأدب الملتزم ينبغي ألا ينسينا (الأدب) في أي حال من الأحوال، وبأن شاغلنا يجب أن يكون خدمة الأدب بزرقه بدم جديد، وفي الوقت نفسه خدمة الجماعة بمحاولة منحها الأدب الذي يلائمها”.

 وهنا يمكننا أن نعتمد على جانبٍ فكري أيديولوجي يزخر ويدعم الالتزام الأدبي كون الأدب يهدف لبناءٍ أفضل ويرتقي بالقيم لذا لا يشكل الأيديولوجية الفكرية الصحيحة الخيرة إلى تزييف الأدب أو انحرافه عن مساره الطبيعي كما يدعي البعض، وعلى عكس ما تطرق إليه الفكر الماركسي المرتكز على نظرية طبقية المجتمع وأسقاط هذه النظرية على الأدب والفنون والظواهر والقضايا المجتمعية.

3-الالتزام الأدبي النقدي:

هناك معايير للنقاد لتقييم النص الأدبي منها ما يتعلق بالتقنية واللغة وتماسك النص ومواصفات أكاديمية أخرى، ومنها ما يتعلق بالالتزام والأصالة والجمال وغيرها، وهذه لا تخضع لقواعد ثابتة بل تكون نسبية المعايير ويختلف من أديبٍ ومفكرٍ لأخر ويمكن ملاحظته في الأدب الكردي وبكل اللغات المكتوبة، لكن يبقى هناك قاعدة وركائز مشتركة ينطلق منها الأديب والمفكر الكردي.

إما مقاييس الجودة وعدم الجودة للنص الأدبي، فإنها هي الأخرى لا تخضع لقواعد محددة وإنما تتعلق بتجربة الأديب وبقدرته على عكس الظواهر الاجتماعية بشكل صحيح ويرتد بانعكاسٍ إجابي

هناك من يجد أن الأدب الجيد هو الذي يعبر بصراحة عن الحقيقة، والأديب الجيد هو من يعبر عن شعوره بصدق وأمانة وهناك من يضع مقياساً أخر لتقييم الأدب ويعبر عنه بالأصالة وعدم الأصالة، ويمكن ملاحظة هذا الاصطلاح أكثر شيوعاً في الفن منه في الأدب العالمي عامة.

رغم التباين النسبي في الرؤية للأدب بشكل عام وللأدب الملتزم بشكل خاص، فإن الذي يوحد بينهما هو اتفاقهما حول حقيقة فنية وجمالية وتأكيدهما المشترك عليها، وهي أن الأدب يجب أن يتنفس الحرية، ويرتبط بالواقع والمجتمع، ويرتد بانعكاسٍ خير على المجتمع، ويمكن إسقاط هذه الرؤية على الجانب النقدي في الأدب الكردي خاصة في المرحلة المعاصرة حيث تفيض الأدب الكردي بالنتاجات الأدبية وباللغة الأم.

لكن التساؤلات التي قد تجد مبرراتها الآن هي لماذا تناولنا مفهوم الأدب الملتزم؟ وهل نحن بصدد مقاربة بعض نماذجه في الحالة الأدبية الكردية وهل من الممكن إدراجه ضمن خانة هذا النموذج من الأدب بناءً على ما ورد في النظريات والرؤى الالتزامية للأدب؟ ثم هل الإنتاج الأدبي الكردي على وجه الخصوص في مستوى الأدب الملتزم؟

زر الذهاب إلى الأعلى