مقالات

اردوغان …. والصعودُ نحوَ الهاوية

riyad-yosifرياض يوسف

يبدو إن مغامرة السلطان العثماني ” اردوغان ” في صعود الجبال هذه المرة لا تشبه سابقاتها من حيث الاستراتيجية والتوقيت، فبعد فوز حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية التركية تيقن الطاغية إن زمنه كسلطان سينتهي، وسيخيب أمله في الانفرادِ في حكمِ تركيا من خلالِ توسيعِ صلاحياته مقابل تقليصِ صلاحيات وزير خارجيته، فقرر متحالفاً مع الحزب القومي التركي بقيادة (دولت بهجلي) الذي لا يقل عداوة للكرد من حزب اردوغان، وخاصة بعد فوز حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات المبكرة أيضاً، في القضاء عليهم وتصفيتهم ومحاربتهم بشتى الوسائل، فكان القصف البربري على المناطق الكردية في الجنوب والجنوب الشرقي من تركيا أولُ خطوةٍ على هذه المغامرة، كثيرٌ من المدن تم تسويتها بالأرض، كثيرٌ من أهالي هذه المدن ممن بقوا أحياء هُجِّروا من مدنهم وأصبحوا نازحين في مدن أخرى، كل هذا بحجة محاربة الإرهابيين من الكرد المتواجدين في تلك المدن (حسب زعمه).

حرَّض ودعم داعش في تركيا بالقيام بعمليات انتحارية ضد تجمعات الكرد محاولاً تصفيتهم ومعاقبتهم في دعمهم حزب الشعوب الديمقراطية، الحزب الذي ينظر إليه اردوغان بالإضافة إلى إنه الحزب الذي حرمه من الحكم الرئاسي، على أنه حزبٌ كرديٌ داعمٌ للمقاتلين الكرد الانفصاليين في جبال قنديل (حسب زعمه).

كل هذا على مرأى ومسمع العالم أجمع دون أيِّ تحركٍ أو حالةَ شجبٍ أو إدانة.

 قام بخرق الدساتير والقوانين والأعراف الدولية عندما رفع الحصانة الدبلوماسية عن البرلمانيين الكرد تمهيداً لاعتقالهم وزجهم في أقبية السجون، الأمر الذي تم بالفعل.

كل هذا ضمن حدود دولته، حاول كثيراً المشاركة في تحرير الموصل ومحاربة الإرهاب حسب زعمه، والكل بات يعرف أنه هو من خلق داعش، وهو من يدعمهم عسكرياً ومادياً ومعنوياً أيضاً، حاول مراراً الدخول في الموصل لأطماعٍ توسعيةٍ دون جدوى بغرض ضرب الكرد في شنكال (سنجار)، دخل في مشاداتٍ كلاميةٍ مع العبادي وغيره من الشخصيات في العراق بسبب رفضهم مشاركته في هذه المعركة، لأنهم كانوا يعتبرون دخوله في الأراضي العراقية احتلالاً وتمادياً على حرمةِ حدودِ دولةٍ جارةٍ ذاتُ سيادة، فهل هذا استهتارٌ بالدول أو تحدٍ لسيادة دولةٍ أخرى؟

بعد فشله في العراق والمشاركة في تحرير الموصل وضع كل ثقله في الطرف السوري من حدوده، فبعد احتلاله لمدينة جرابلس السورية، وتغيير ملامحها، ووضع العلم التركي على أبواب دوائرها، والتعليم باللغة التركية والتداول بالعملة التركية واعتبارها العملة الأساسية في المدينة، قرر الذهاب بجيشه إلى الباب ثم منبج لنفس الغاية، بعد أن فشل مرتزقته ومسلحيه من الإسلاميين الراديكاليين المتشددين وعلى رأسهم داعش، الذين هزموا في منبج على يد قوات سوريا الديمقراطية من جهة، من جهةٍ أخرى ليمنع الكرد من تطويق وعزل الرقة وبالتالي تحريرها، ليتمكن من ترك كريدور (ممر) يصل الرقة بتركيا ليتمكن من دعمهم عسكرياً وانسحابهم إلى تركيا عند السقوط والهزيمة.

وهذان أمران محسوبان عند قوات سوريا الديمقراطية، وهذان الأمران هما ما جعلا الحكومة التركية بقيادة الزعيم الأكبر لداعش (اردوغان) أن يستميت ويدفع بقواته الخاصة وقواته المدرعة، ووضع ثقله للحيلولة دون إيصال المقاطعات الثلاث ببعض، وإغلاق شريان الحياة عن عاصمة داعش المزعومة من خلال إقامة خطٍ عازلٍ خالٍ من القوات التركية ومرتزقته بين تركيا والرقة. أيضاً كل هذا أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.

فهل بالفعل كانت مغامرة السلطان التركي في صعود الجبال هذه المرة غير محسوبة المخاطر (دون حبل نجاة)، أم أنها محسوبةٌ ومدروسةٌ جيداً، وقد وضعت لها خططٌ بديلةٌ محبوكةٌ بطريقةٍ تدلُ على شيٍ وتخفي في مضمونها وبين طيات أيامها ملامح جديدة؟

هل اردوغان يعلم أنه يصعدُ إلى هاويته التي لا نزول منها على مايبدو هذه المرة؟ أم أن اردوغان السلطان العثماني قد أصيب بجنون العظمة ولم يعد يأبه بحبال حلف الناتو التي ستمكنه من النزول، إن لم يختر الانتحار والخوض في ما بدأ به والطيران خارج السرب الذي سيكلفه الكثير، وسيكلف الشعب التركي النصيب الأكبر من هذه الخسارة.

زر الذهاب إلى الأعلى