ثقافة

إحدى وسبعون عاماً على مرور تأسيس جمهورية مهاباد

mhabadإنكم تستطيعون شنقي، ولكن كل كردي قاضٍ، ولا ينسى أي كردي هذا الظلم “……..  قاضي محمد

عاش الكرد  في العصر الحديث تجربةً للحكم المستقل أو شبه المستقل, ألا وهي جمهورية مهاباد, تأسست في أقصى شمال غرب إيران حول مدينة مهاباد والتي كانت عاصمتها ، وكانت عبارة عن إقليم أو دولة صغيرة وقصيرة العمر مدعومة  سوفيتياً كجمهورية أنشأت عام 1946, ولم تدمْ أكثر من أحد عشر شهراً، ظهرت جمهورية مهاباد كنتيجة للأزمة الإيرانية الناشئة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية،  فبالرغم من أن إيران أعلنت الحياد أثناء الحرب العالمية الثانية إلا أن قوات الاتحاد السوفيتي توغلت في جزء من الأراضي الإيرانية, وكان مبرر جوزيف ستالين لهذا التوغل هو أن شاه إيران رضا بهلوي كان متعاطفاً مع  أدولف هتلر. ونتيجة لهذا التوغل، هرب رضا بهلوي إلى المنفى, وتم تنصيب ابنه محمد رضا بهلوي في مكانه، ولكن الجيش السوفييتي استمر بالتوغل بعد أن كان يسيطر على بعض المناطق شمال إيران,  وكان ستالين يطمح إلى توسيع نفوذ الاتحاد السوفيتي بصورة غير مباشرة ,عن طريق إقامة كيانات موالية له. استغل بعض الكرد الوطنيون المتشوقون لتشكيل كيان كردي في أي منطقة من مناطق كردستان, فجاءت الظروف السانحة وكانت الفرصة مناسبة  في إيران, فقام قاضي محمد مع مصطفى البارزاني  بإعلان جمهورية مهاباد، ورغم كل التحديات والمواجهات العنيفة التي تلقاها الكرد سواء من العرب أو الفرس أو الترك لرفضهم القاطع للكرد و نكرانهم للحقيقة الملموسة الواضحة تجاه قوميتهم, تم الإعلان عن جمهورية مهاباد في 22كانون الثاني 1946, وفي اجتماع واسع بساحة “جارجرا” المزينة  بالأعلام الكردية وفي وسط الهتاف توجه قاضي محمد واعتلى المنبر وراح يذكر مستمعيه ويردد(بأن الكرد شعب قائم بذاته ) يسكن أرضه ويشارك الشعوب الأخرى حقها في تقرير المصير, وشكر جميع الكرد والكردستانيين  واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي لمساعدة الكرد, وعمت الفرحة والابتهاج في جميع شوارع مهاباد، ورفع العلم الكردي حيث سجل هذا اليوم بحروف من الذهب في تاريخ شعبنا الكردي، واُعلنت جمهورية مهاباد، ثم تأسس مجلس الوزراء برئاسة (الحاج باب شيخ) في 11شباط 1946 مؤلفاً من 13 وزيراً, وعاشت جمهورية مهاباد حلماً كان يراود الكرد منذ الأزل, وشهدت الجمهورية أعمالاً مهمة  وتاريخية، فأصبحت اللغة الكردية لغة رسمية ونشرت عدة صحف ومجلات باللغة الأم “الكردية”, وجرت محاولات لإعداد كتب الدراسة لأطفال المدارس ودخول المرأة الكردية ميدان النضال السياسي, وكان القاضي محمد يشجع زوجته وبناته على الإسهام في الحياة السياسية والاجتماعية كي يصبحن قدوة لغيرهن من النساء, ولعلّ من أهم مكاسب مهاباد هو تأسيس الجيش الشعبي، وأن أربعة اشخاص حملوا رتبة الجنرال في هذا الجيش هم:

1-محمد حسين سيف قاضي

2-عمر خان شكاك

3-محمد رشيد خان بانة

4- الملا مصطفى البارزاني

ولوحظ تغير الاقتصاد في المنطقة, وكانت واحدة من علائم ذلك قيام الجمهورية بالتجارة المباشرة مع الاتحاد السوفياتي ، وتوفر الأمن والأمان والراحة للجماهير والشعب الكردي، فمنع القتل وحرمت السرقة وصارت الرشوة التي كانت شائعة في أيام رضا شاه تعتبر جريمة كبرى بعد قيام جمهورية مهاباد, والمكسب الأكبر الذي ناله الشعب الكردي هو تذوقه للمرة الأولى طعم الحرية، فلم تبق أوامر الحكومة المركزية ولا إرهاب الجيش ومظالم الشرطة والجندرمة ، وشعر الشعب في شرقي كردستان آنذاك إنه صاحب السلطة في بلاده وليس غربياً عن وطنه, وبهذا فإن الشعب الكردي أصبح حراً, وأصبحت مهاباد محط أنظار وآمال وآماني الأحرار في جميع أنحاء كردستان، وكان ممثل المنظمات الكردية وأبرز الشخصيات الكردية يتوجهون من تركيا وسوريا والعراق لزيارة مهاباد, وصارت المدينة موضع أمل وقبلة أحرار الكرد حيث كتب القاضي محمد بهذه المناسبة :”إن النور الذي انبلج هنا سوف يشع نحوكم أيضاً”. على الرغم  من أن عمر الجمهورية الكردية لم يدم أكثر من 11شهراً, فقد كانت لها مكانة خاصة في تاريخ شعبنا الكردي, ولكن الضغط الذي مارسه الشاه على الولايات المتحدة والتي ضغطت بدورها على الاتحاد السوفياتي  كان كفيلاً بانسحاب القوات السوفيتية من الأراضي الإيرانية, وقامت الحكومة الإيرانية بإسقاط جمهورية مهاباد بعد 11 شهراً من إعلانها, وتم إعدام قاضي محمد  في 31 أذار عام1947  في ساحة عامة في المدينة. انسحب  مصطفى البارزاني مع مجموعة من مقاتليه من المنطقة. كان الكرد في إيران من بين تلك القوميات التي حُرمت من حقوقها القومية في عهد رضا شاه، تشمل المنطقة الكردية في إيران على أربع محافظات في غرب إيران وهي أذربيجان الغربية، مهاباد، كرماشان، وعيلام.

كانت سياسة طهران هي طمس الثقافة الكردية ومعالم تاريخها, وكذلك سياسة التهجير وتجريد الكرد من أسلحتهم.. هذه هي السياسات الشوفينية للأنظمة الرجعية ضد الشعب الكردي, ليس في إيران فحسب, فنفس الأسلوب اتبعته الحكومات البعثية تجاه الشعب الكردي في كل من العراق وسوريا, وكذلك الحكومة التركية في باكور كردستان، ولكن ظل الكرد صامدين متشبثين بوطنهم, رغم أنهم كانوا ضحية المؤامرات والسياسات الدولية واستراتيجياتها, وما زال الكرد ضحية لقوى دولية وإقليمية وصراعات حزبية ضيقة بسبب المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية والعسكرية, وماتزال جمهورية مهاباد الكردية بعد إحدى وسبعون عاماً تتلألأ مثل نجمة ساطعة في السماء المظلمة الداكنة لهذه العصور الطويلة في إذلال الشعب الكردي, وما تزال تنير درب النضال الشاق, واليوم في روج آفا نعيش تجربة أخرى مماثلة  لتجربة  مهاباد, ألا وهي الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تصادف التوقيت ذاته, حيث مرت ثلاثة أعوام على تأسيسها ودخولها العام الرابع، والتي تشكل نواة حقيقية واللبنة الأولى نحو الديمقراطية والقيام بمجتمع ديمقراطي فيدرالي حر, يؤمن بالعيش المشترك ضمن مكونات متعددة من كرد وعرب وآشور وسريان…  فيحقق للجميع أمالهم وتطلعاتهم وكسر مقولة (إن الكرد لن يصبحوا شيئاً) بل أصبحوا وأظهروا من خلال تضحياتهم بأنهم قادرون على إثبات وجودهم، بحيث لن يكونوا مستعبدين لأحد بعد اليوم, وسيعيشون أحراراً مرفوعين الهامة, فسابقاً جمهورية مهاباد, واليوم الإدارة الذاتية الديمقراطية  ثمرات قومية و ديمقراطية ومحطات مضيئة في تاريخ شعبنا وحركتنا الثورية.
جمهورية مهاباد التي قُتلت وهي في مهدها لم تر النور سوى أقل من سنة، تلك الجمهورية التي ما تزال محفورة في ذاكرة الكرد في جميع أصقاع العالم وخاصة الكرد في إيران، جاء ميلاد جمهورية مهاباد لامتداد نضال الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة.

زر الذهاب إلى الأعلى