مقالات

أهو حلمٌ أم حقيقة؟… واقعٌ أم خيال !!

00_14نارين تمو

وبينما أنا مسافرةٌ من مدينة قامشلو إلى ديرك، وفي رحلة الطريق كانت هناك فتاتين جالستين في المقعد الخلفي، تطرق إلى مسامعي بدونِ قصدٍ مني حديثهما بسبب اقتراب كرسيهما الشديد من مكان جلوسي، ومن حديثهما استنتجت إن الفتاتين طالبتين في جامعة روج آفا، إحداهنَ طالبةٌ في كلية الأدب الكردي، والأخرى طالبةٌ في علم الاجتماع، وبدأتا بالحديث عن الجامعة وعن عدد المواد وعن الدكاترة وأسلوب تدريس كل منهم، عن المواد السهلة والصعبة في المنهاج، وعن سلالة وعذوبة اللغة الكردية الغنية بمفرداتها وجملها ومعانيها وآدابها وقواعدها، وكذلك تحدثتا عن التقاطع والالتقاء بين ما يدرسنَ في الجامعة، وما تناهز إلى اسماعهن من مقولاتٍ وأشعارٍ وقصصٍ وأحاديثَ أمهاتهن وأجدادهن، واستطردت واحدةً منهما بالحديث عن كتب المفكر عبدالله أوجلان ولاسيما المرافعة الخامسة ومدى عمقها وأهميتها وغناها الفكري والثقافي والفلسفي، وعن مشروع الأمة الديمقراطية الذي ورد فيهِ بشكلٍ مفصلٍ، وطبعاً كانت الفتاتين في زيارة عطلة نهاية الأسبوع لذويهم.

وأثناء استراقي السمع إليهما جالت بي الذاكرة وصالت بعيداً وعميقاً جداً، أهو حلمٌ ما اسمعهُ أم علم؟؟!!أهو حقيقةٌ أم خيال؟؟!!

ودارت بي الذاكرةُ إلى أيام سفري ورفيقاتي الجامعيات إلى مدينة حلب للدراسةِ وتقديم الامتحانات، وحديثنا المطول عن مواد كل فرع وسهولتها وصعوبتها، وكذلك حديثنا عن دكاترة الجامعة ومزاجية وعنصرية وشوفينية كلِّ واحدٍ منهم، وكذلك النظرة الدونية التي كنّا نحظى بها كوننا طالبات كرديات، وقيام بعض الدكاترة بحرماننا من العلامات العليا لمجرد إن اسمائنا كردية.

وأنا استمر في الاستماعِ لحديث الفتاتين وتستمرُ ذاكرتي في النشاط متذكرةً كل التفاصيل التي غدت في طَيات النسيان، قادتني الذاكرة إلى المنهاج الجامعي السوري، الذي لو بحثت عنه بالمجهر لقلما تجد فيه ذكر اسم الكردِ أو الآشور أو السريان إلا اليسير النادر جداً، والذي لربما لا مناص من عدم ذكره لأنها حقائق ثابتة جداً لا يمكن الإغفال عنها، ولكم كنّا نشعر بالغبطة والفرح عندما كنّا نجد اسم الكرد أو كردستان في فصلٍ أو في صفحةٍ أو في سطرٍ في إحدى الكتب.

وعندما تحدثت إحدى الطالبتين عن مرافعات القائد عبدالله أوجلان علنياً في السيارة العامة، لا شعورياً تلفتُ يمينةً ويسرا، ولوهلةٍ شعرت بالخوفِ وكأني سأنبهها إلى الحذر وعدم ذكر اسم القائد كي لا تتعرض لخطر الإساءة أو المساءلة أو الاعتقال، وسرعان ما تنبهتُ إننا نعيشُ عصر ثورة روج آفا، وتذكرت أن للفتاتين الحرية في الحديث عن القائد وعن الكرد بكل جلاءٍ دون أن تتعرضن للمضايقات والانتكاسات، وتذكرتُ إننا نعيشُ في مرحلةٍ تاريخيةٍ تكتب حروفهُا من النور والنار، ومن دماء الشهداء الذين رووا بدمائهم أرض روج آفا من ديرك إلى كوباني ومستمرةً إلى عفرين، لكي تنعم اليوم هاتين الفتاتين والجيل القادم كله بالحرية والحياة التي حُرِّمَ الكرد جميعهم منها، وقد ضحوا أبناء النور والنار ليستطيع أبنائنا وبناتنا القراءة والكتابة بلساننا الكردي كما يستطيع كل مكونات روج آفا من الآشوريين والسران وأرمن والتركمان من التحدث بلغتهم الأم، ولنحظى بتاريخنا وثقافتنا وأخلاقنا وطبيعتنا وهويتنا ووجودنا وكينونتنا التي حرمنا منها لمئات السنيين، ليتسنى لأبنائنا وبناتنا اليوم التحدث بصوتٍ عالٍ ودونما خوف، عن لغتهم وتاريخهم و جغرافيتهم ودكاترتهم ونقدهم ومدحهم، وكذلك الحديثُ عن رموزهم الكردية وقادتهم ومفكريهم دونما أية حسابات.

ولكن تراءى إلى ذهني سؤالٌ وهو يا هل ترى هاتين الفتاتين ومثلهم الكثيرين والكثيرات من الشباب والشابات الكرد الذين يدرسون في جامعة روج أفا وبالثقافة الكردية وكل مكونٍ حسب ثقافته، هل يدركون بفضل دماء وتضحيات من مِنَ الشهداء والشهيدات يتنعمون اليوم بهذه الحرية ؟؟؟؟!!!!

سؤالٌ لا يزال معلقاً بذهني وتراودني العديد من الإجابات بشأنها، لكن الذي شغل الحيّز الأكبر من تفكيري أهو واقعٌ الذي نحن نحياهُ أم خيالٌ ؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى