ثقافةدراساتمقالات

« أحذيةٌ وأزهارُ عبّاد شمس…» قراءة سيميولوجية لست أعمال للفنان :ڤان غوغ Van Gogh.

بقلم : منير شيخي.

  الجزء الأول :

« المُهم أن لا نجهل زيف عصرنا وأن نقول لأنفسنا إننا نعيشُ في قلب الألم، لكن الأجيال القادمة ستتنفسُ بحريةٍ أكبر.

حاول أن تفهم الكلمة الأخيرة في أي عملٍ فني، قام به الفنانون الكبار الجادون، و سترى الله هناك، بعضهم عمد إلى كتابة ذلك في كتاب و آخرٌ في لوحة ……. ».

تموز /1880 م/ ڤانسنت ڤان غوغ.

مقدمة:

ما من شيءٍ تراه العين إلا وله مغزى، فالأشكال ترسلُ أمواجاً، تملكُ ذاكرة، تملكُ حنيناً، و الرؤية الفيزيائية تتطلب الذهن، كما تتطلب العين الذات و الموضوع معاً.

إن التعّْرف على أي أثر فني أبدعهُ شخصٌ، شَكْل ظاهرة، يجعلنا نعدُ لا للمائة فحسب، بل نقف بصمتٍ مشبعٍ بالصخب و بكل احترام، ونعد إلى ما لا نهاية قبل أن نُغامر في تحديد فحواه، وباعتبارنا لن نستطيع الوصول إلى ما لانهاية فإننا لا يمكن أن نعطي أي أثرٍ فني القدر الكافي من حقه.

في عصرٍ كالذي نحن فيه يدفعنا أن نفكر بطريقة مختلفة، نتمرد فيه على الظواهر الخارجية، وأن نحاول الكدح في اختراقها من جديد عوداً إلى اللب، إلى الجوهر، وهو الذي لا يتألف إلا من اللون وحده والحرية وحدها والحب وحده.

كما يمتلىء الفكر شعوراً، كذلك قد تمتلىء الأشكال ألواناً، كما قد يُكيف الشعور الفكر،  كذلك قد يُكيّف اللون الأشكال.

الانطلاق حراً و تذوق اللون، يجعلنا نشارك شعور عازف الجاز وهو يرتجلُ بالأنغام.

يتخيل إلينا إن عالم الفن عالمٌ ظلام، يصعب النفاذ فيه، و لكن السر الحقيقي، إن لا أسرار في الفن، أو قلَ إنما هناك إن هو إلا أسرار الحياة نفسها، أسرارها المركزية السرمدية، وكل رائعة من روائع الفن إنما تدور حول هذه الأسرار، وكذلك كل فلسفةٍ حقيقيةٍ للفن.

(..عندما أرسم خطاً مستقيماً، فإنه خطٌ مستقيم، وعندما أرسم خطاً منحنياً فإنه منحنٍ…) بهذا القول قابل بيكاسو بعض الفضوليين من عيون الصحافة، وابتسم بعد ذلك ابتسامة رقيقة، وقد عبرت الكلمات والابتسامة معاً على توتر مُعين بين الظاهر و الغامض، وهذا التوتر نصّف حياة الفن العظيم.

الفن الذي يدعوا الإنسان دائماً إلى ممارسة الحرية عن طريق المحاكاة،أي الحرية المطابقة لنفسها، الحرية الهادفة،فأفضل تماثيل (بوذا)مثلاً تدعو المرء للتأمل كما هو متأمل،تُطهر الروح لتهيأ ها للاستمتاع بالحب،فالمشوهون روحاً لا يدخلون الجنة. ( ليس هنا أكثر فنيةً من أن تحب الناس. ) ڤان غوغ.

إن اختيار الأعمال لتقديمها في البحث شَكّلَ لي قلقاً بريئاً، مبرراً في الوقت نفسه، فالإختياريعني تحديد اتجاه السفينة لمحاولة الوصول إلى الهدف.

إذ لا يمكننا من معالجة ما تنطوي عليه اللغة الرمزية و اللغة التعبيرية بشكلٍ شامل خلال تعرضنا للأعمال القادمة فالموضوع أكبر من ذلك بكثير، فهناك علاقةٌ جد وثيقة بين التحول التعبيري و التحول الرمزي، فهما ينبعان من حياة الإنسان الذاتية في المجال العريض المكوَن من تفكيره و إحساسه.

لم أحاول أبداً في دراسة هذه الأعمال التي أبدعها« ڤانسنت ڤان غوغ » أن أُصدر أحكاماً،لأن المثابرة على النقد بدلاً من محاولة التذوق و الفهم،يشبه رجلاً يحمل عصاً، وهو وحده في الحديقة يقطع رؤوس الأعشاب و الأزهار معاً على حدٍ سواء، إن كل عملٍ فني ذي أبعاد وغوامض يعرضهُ هذا التصرف للخطر.

وجدت نفسي بحاجة إلى شيءٍ جديد، شيءٍ أقل شبهاً بالتعشب وأكثر شبهاً بالري، إنني محتاج إلى الأقل من الأحكام والأكثر من العطف، الأقل من محاولة التعرف على ما كان يقصده الفنان، و المزيد من التوحد والتفسير الصريح إلى ما أقصده أنا خلال تذوقي لهذه الأعمال.

مع الأخذ بعين الاعتبار إنه من الصعوبةِ على رجلٍ لم يرى أبو الهول، أن يستطيع أن يضع تفسيراً له.

إن الأعمال المختارة هي للفنان الهولندي «ڤانسنت ڤان غوغ» والأعمال الستة تعود إلى ما بين / 1886م-1887م/ مما أثار انتباهي فعمدت إلى فرزهم في مجموعتين[الفرز شخصي]:

المجموعة الأولى:ثلاثة أعمال يجمعها موضوعٌ واحد،وهي أزهار عبّاد الشمس.{م1:أ،ب،ج}.

المجموعة الثانية:ثلاثة أعمال يجمعها موضوعٌ مشترك أيضاً، وهي الأحذية.{م2:أ′،ب′،ج′}.

معنوناً البحث بعنوان:

« أحذيةٌ وأزهارُ عبّاد شمس . »

« Shoes and Sunflowers »

⦿– اللوحة الأولى من المجموعة الأولى:{م1،أ}

1

[Paris. August-September 1887.four cut sunflowers]     

جرد العلامات:بعد جرد العلامات بشكلٍ عام سنعود إلى معالم كل علامة بالتفصيل.

براديغم الألوان:[الأصفر الشمسي، الأخضر، الأزرق، البرتقالي، الأسود، الأبيض،البني].

براديغم الطبيعة:[أزها، بذورعبّاد الشمس، الماء التراب،العشب].

براديغم الموت:[الأسود، الأزهار المرمية بعنف و المقطوعة الأغصان].

براديغم الحياة:[الماء،بذورعبّاد الشمس،التراب].

ومن عبّاد الشمس الزيت المستخرج من بذورها البذورالتي تؤدي للحياة اللون الأصفر الذي يذكرنا بلون الشمس الشمس التي تهب الحياة وتذكرنا بالنار ومن جهة أخرى الأوراق غير موجودة على أغصان عبّاد الشمس،والأوراق لها دلالة الحماية و مُستقبل للطاقة ولها دورٌ كدور اللباس بالنسبة للفتيات ،وانتزاعها يعني تأكيدٌ لفعل الاعتداء على عذرية أزهار عبّاد الشمس.

و الماء الحياة والحياة والماء معاً تذكرنا بفرضية العماء المائي التي اتخذها بعض العلماء أساساً لتفسير نشوء الكون.

ومن جهة أخرى الماء له خاصية الانعكاس، ويذكرنا باللون الأزرق السماء  المطر.

التراب إحدى العناصر الأربع المشكلة للعالم الحياة إذا أرفقت بالماء التراب والماء يعطيان «الصلصال»الذي يعتبر أساس تكوَن الإنسان (حسب تصور المثاليين) …

عدد أزهار عبّاد الشمس/4/أزهار ماذا يعني الرقم أربعة؟.

ونأتي الأن كل علامة ودلالاتها بشكلٍ تفصيلي:

اللون الأصفر:

هناك مفارقتان أساسيتان يمكن تميزوهما في الأصفر:

  • الأصفر المائل للبرتقالي:لون ا، بارد لون حار، رمز القوة الذكية، والحكمة الإلهية.
  • الأصفر المائل للأخضر:لون قمري،بارد،رمز الحسد،عدم الثبات، لون الخيانة.

والأصفر الموجود في هذا العمل هو الأصفر المائل للبر، والي، لون الشمس، والآلهة المرتبطة بالشمس، ولهذا فإن العمامة الصفراء كانت رمزاً «لمترا»، وللسبب ذاته زينت ملك الملوك الفارسي داريوس الثالث كودمان، الذي غلبه الإسكندر في /333ق.م/.

ليس لون الشمس فحسب وإنما أيضاً لون السنابل الناضجة،و لون دوار الشمس ،فالزهور الصفراء حسب رأي(لاكير)تُعبر عن الفرح و الكمال ،فالأقحوان كان شعار الإمبراطورية في اليابان وفي الصين كانت زهرة عبّاد الشمس،شراب الخلود، وتجدد الشباب،وهو رمز إله الشمس (آبولون) «سأذكر لاحقاً سبب تسمية هذه الزهرة بزهرة عبّاد الشمس » ويذكرنا بالذهب والذهب حُلي النساء ويُذكَر الأصفر أيضاً بالحجر الكريم الزبرجد.

اللون الأخضر:

رمز الربيع، علامة الانبعاث، و علامة القيامة عند المصريين القدامى، لون «ڤينوس» آلهة الحب و الجمال عند اليونان والرومان، لون الحجر الكريم الزمرد، وهو لونٌ بارد يتميَز بالرطوبة، هادىء منعش للنفس، أنثوي ينتمي إلى الطبيعة.

اللون الأزرق:

لون زرقة السماء، لون الصفاء، لون الماء الصافية، لون البحر، لون اللطف، السيدة العذراء تلبس اللون الأزرق كما صوَرها فناني عصر النهضة والعصور اللاحقة، وقبل أن يكون الأزرق لون العذراء، كان لون «ديميتروأيزيس» ويدل هذا اللون على الحماية الربانية وعطف الآلهة، وهو لون «بنبتون» إله البحر ورمزه.

اللون البرتقالي:

لون حار يتميز بالعنفوان، متألق، غير محافظ وفي الوقت نفسه غير ديناميكي كالأحمر، يعطي اللوحة قدراً مرغوباً فيه من الحركة ولكنه غير قنوع بالنتيجة.

اللون الأسود:

يمثل، الموت و الليل، الموت، الحِداد، البارود، لون زحل وإله «ساتورن»، وفي الذاكرة الشعبية الموروثة مرتبط بالخوف فالأشباح دوماً يُرمز لها بثيابٍ سوداء، واللون الأسود يعتبر سيد الألوان«مع إن البعض لا يعتبرونه لوناً، كالأبيض، والرمادي فهم ألوانٌ حيادية.» مركزيُ التفكير، أوتوقراطي، لا يتغير إذا مُزج مع غيره من الألوان إنما يُغير، وفي بعض المعتقدات يرمز إلى الحكمة، وهو لونٌ مذكر، وفي هذا العمل الذي نحن بصدد ه له وقعٌ مُنهك على أزهار عبّاد الشمس، ويحتل القسم العلوي من العمل ويدل هذا على طبيعة ونفسية اللون الأسود الذي يرغب دوماً أن يكون في الأعلى لكي يستطيع التحكم بمصائر الأشكال، وهو لونٌ مذكر يحمل كل صفات الرجال إلا الرحمة.

اللون الأبيض:

يرمز إلى الأنوثة، لون القمر، الؤلؤ، ديانا، الفضة، الطهارةو النقاء البراءة، أشد الألوان تناقضاً مع الأسود و خوفاً منه، يرمز إلى الفتاة العذراء، وإن نقطة تافهة من الأسود مهما كانت قزمة فتستطيع أن تُعكر مزاج الأبيض، كل الأبيض.

اللون البني:

لون التراب، أساس الخليقة، مستقر و محافظ، أكثر الألوان قناعةً بوضعه، لا يتدخل بشؤون الغير، منطوي، متقوقع على ذاته، يعتبر المشهد مألوفاً خصوصاً عندما نجد الماء و التراب معاً، مما يذكرنا ببداية الخلق.

وتوضع بعض الألوان في هذه اللوحة بجوار بعضها يوقظُ معناً رمزياً واضحاً.

فالأزرق و الأصفر يوقظان إتحاد السماوي والمنير ويستعمله الفنان«فيرمير» أيضاً بغزارة في أعماله.

وفي رسالة إلى أخيه تيو يكتب «ڤان غوغ»:[بدلاً أن أُصور في خلفية اللوحة جداراً عارياً من جدران الشقة البائسة، سأُصور اللانهاية، سأضع خلفية من الأزرق الأكثر غنى و إمعاناً، الذي أستطيع الحصول عليه، وبهذا التركيب البسيط سيكون للرأس الأشقر المضاء على خلفية الأزرق تأثير غامض، كنجمةٌ في زرقة السماء.].

و يقول سيبرت:«يعمد ڤان غوغ إلى استعمال الأصفر في مرحلة آرل كاستعمال الآخرين للمخدر.».

زهرة عبّاد الشمس:

تقول الأسطورة اليونانية إن الحورية«كليتيclytie»عاشقة «أبولون»، والمهملة من قبله، مسخت نفسها في رقيب الشمس، في دوار الشمس، لكي تبقى وجهها مواجهاً «أبولون» الذي كان يُمثل بالشمس«هليوس» و الرمزية واضحة.

الرقم/4/:

عدد الأزهار الموجودة في اللوحة{م1،أ}أربعة أزهار، وواحدة منهن تُقبل الأرض،و الأُخريات تنتظرن عطف السماء،و الرقم[4]رمز الثبات والعالم مكوَن من عناصر أربعة[الماء-التراب-الهواء-النار].

السماء ترتكز على أربعة أعمدة كما تقول الكوزمولوجيا.

و الرقم[4]رقمٌ مؤنث كما يقول( فليپ سيرينج) في كتابه(الرموز في الفن و الحياة والدين)إن الأرقام الفردية مذكرة والأرقام الزوجية مؤنثة، وإن [3+4]أي عدد مذكر مع عدد مؤنث =[7] وهو خُنثى.

ومن اللوحة نلاحظ، ثلاثة أغصان موجهة إلى الأعلى، وواحدة ترتوي من الماء، واتجاه الأغصان جميعها متوضعٌ على قطر اللوحة المتوجه من أسفل يمين العمل إلى أعلى يسار العمل، وهذا يرمز إلى الروحانيات، كما يرى «كاندنسكي».

و بربط العلامات و الدلالات السابقة نصل إلى إن الفنان لم يقصد بتاتاً أن يُصور أزهار عبّاد الشمس و ما يحيط بهن من عناصر، لم يقصد المحاكاة التسجيلية لزهرة عبّاد الشمس و إنما يقصد بعداً رمزياً مشبعاً بالخصوصية التعبيرية، التي تميَز بها «ڤان غوغ» عن غيره من الفنانين، إلى درجةٍ يعتبر رائد و مؤسس المدرسة التعبيرية في تاريخ الفن عموماً.

«أنا لست رسام مناظر،عندما أُصور منظراً،أضع في داخله دوماً أثراً للإنسان.».

                ڤانسنت ڤان غوغ.

فأزهار عبّاد الشمس ترمز إلى الأنثى إلى الخصب، والبذور ترمز إلى استمرار الحياة و النسل.«فكليتي clytie »كانت ضحية لحب«أبولون»الذي أهمل حبها له، فكانت الضحية، كما هي الأزهار الآن، التي تمثل فتيات عصر ڤان غوغ، اللاتي أصبحن ضحية عصرٍ يحكمه اللون الأسود، ممارساً دوراً مركزياً على الأبيض الذي يرمز بدوره للأنثى وطهارتها وعذريتها، و نزع أزهار عبّاد الشمس بهذا العنف ونثرها بهذا الشكل المفجع على الأرض، وهي لم تنضج بعد مما يجعلها تشكو ضعفها للسماء، كما في الأزهار الثلاثة المركونة في أسفل ويسار العمل بينما الأولى تُقبل الأرض حنيناً.

شحوب الأزهار تدعو إلى الشفقة، كما تدعوا إلى محاولة النهوض، لنبذ هذا العنف المطبق بحقهن ونلاحظ أيضاً بأن الذي جرد الأزهار من حياتها، لابد إنه يتمتع بروحٍ مشوهة وهو فعل ذكوريٌ واضح، فالأنثى لا يمكن إن تتصرف بهذه القسوة أبداً، وإن تصرفت فلابد إنها ذاقت مرارة الإهمال مثل «كليتي clytie ».

ولون الماء وزرقته أيضاً يدل على السيدة العذراء، مما يؤكد أيضاً هذا الاعتقاد.

الأسود باحتلاله قمة اللوحة يذكرنا بشرك العادات المطبقة بحق أزهار عبّاد الشمس، عنف الأسود واضح ذكوريةٌ مشبعة بكل عقد السيادة.

مع كل هذا فإن الأزهار تجعل من أجسادها جسراً للعبور بين ضفتي المياه، وهي تعكس بكل نزاهة قسوة المشهد.

فكل شيء كثيفٌ ومتماسك هنا حتى الأصباغ، تتباعد بعضها عن بعض، وهي لا تقوى على تحمل توتر و لمعان جاراتها.

إن الأسلوب القائم على لمسات الريشة، المتميزة بخطوط لينة متصاعدة، وبتحويرات مُعبرة، يجعلنا نعتقد إن الخطوط المرسومة على الأشياء، قد انتزعت من خفقات قلبٍ مؤمن، أو من تجاعيد الزمن العريق على وجه الإنسانية.

«عندما ترسم صفصافةً باكية، كما لو إنها كائن حي، وهي في الحقيقة كذلك، يأتي كل ما يحيط بها عفوياً، شرط أن يتم التركيز على الشجرة المذكورة وألا يتوقف المرء عن العمل قبل أن يجعلها تحيا.».  ڤان غوغ /1888م/.

⦿– اللوحة الثانية من المجموعة الأولى:{م1،ب}

still-life-with-two-yellow-sunflowers

[Paris.August-September 1887.Two cut sunflowers]          

براديغم الألوان:[الأصفر، الأزرق، الأخضر، الأسود، البرتقالي.].

براديغم الموت:[أزهار عبّاد الشمس مقطوعة بقسوة ومرميةٌ على أرضيةٍ زرقاء.].

عدد الأزهار: [زهرتان].

يلاحظ إن عناصر هذه اللوحة من حيث الألوان و البراديغمات تكاد تكون طبوقة مع اللوحة السابقة{م1،أ}.

ولكن ما يمكننا ملاحظته هنا إن أرضية العمل زرقاء و الأرض تتقمص لون المياه، لون السماء، وحركة الأزهار ذاتها، فإحداها متجهةً نحو الأسفل والأخرى نحو الأعلى، والإسقاط التعبيري نفسه كاللوحة السابقة والأغصان كذلك وانعدام الأوراق أيضاً.

ما يميز هذا العمل «خصوصية هذا العمل»إن المشهد قريبٌ للمتلقي، كأن به (الفنان)يريد أن يؤكد الحدث، الظاهرة.

والاختلاف أن كان بوسعنا أن نسميه اختلافا، في عدد أزهار عبّاد الشمس[زهرتان].

الرقم/2/:

كل واحد منا يتكشف عن ثنائية، تتعلق بالحياة الداخلية و الحياة الخارجية، بالنفس و المادة، بالروح والجسد، ببذور الحياة وبالموت، بالميول نحو الخير والشر، ثنائية الكون، الأنا والأخر، الذكر والأنثى، وسبق إن ذكرت اعتمادا على فليپ سيرينج إن الأعداد الثنائية مؤنثة، والأحادية مذكرة.

/2/مسنداً للأم وللمرأة في العصور القديمة، في حين كانت الأعداد المفردة مذكرة.

فالإله واحد وهو مذكر والأنبياء ذكور، وقد تأثرت القرون الوسطى بشدة بهذا، فحاولت قبول إن العدد المفرد، الغير قابل للقسمة كامل لا يتغيَر و ينتمي لنظامٍ أبدي، في حين إن العدد الزوجي قابل للقسمة، قابل للفساد، سمت الأنثى( يا للسخرية ).

فالأنثى هي أكلت من تفاحة الخطيئة الأولى، وهي التي كسرت جرة الحكمة، وقِدر الشرور، كما كانت تعتقد أساطير الإغريق.

وأشياءٌ كثيرة، فكانت السبب لحربين عالميتين، هذا المنطق العقيم والمركزي، لعِب دوراً كابحاً في طريق نيل أزهار عبّاد الشمس لحريتها، ونجد إن الزهرة التي على يسار العمل،{م1،ب}قد وصلت بذورها لدرجة النضج  لكنها (وئدة).

ومن اللوحة نجد إن صور ڤان غوغ كانت تُظهر فلسفتهُ، إنه كان يرسم وهو على اتصال هانىء بالحقيقة الواقع، وباعتباره كان مفرط الحسية، فكان أميل إلى الاتصاف بالجنون.

«المهم أن لا نجهل زيف عصرنا…و أن نقول إننا نحيا في قلب الألم،  لكن الأجيال القادمة ستتنفس بحريةٍ أكبر..».ڤان غوغ /1886/.

                                                                                                                                    يتبع…..

زر الذهاب إلى الأعلى