مقالات

أبناء خربكوس (خربو) ووليمة الاسيتانا؟

images-3ياسر خلف

ونحن نعيش في واقعٍ باتَ الكثيرُ منّا يختلط في ذهنه وتفكيره الكثير من المواقف والأحداث التي تحتاج إلى التوقف عليها برويةٍ وتأني لاتخاذ القرار الصحيح والمتوافق مع الحقائق التي  نعيشها ونتلمسها ونجاريها في حياتنا، وربما يحتاج المرءُ إلى استرجاع بعض الحقائق الراسخة في الذاكرة الجمعية لوطنٍ  وشعبٍ عانى سابقاً من هكذا خذلان وتآمر من شخوص كان من المفترض بهم أن يكونوا في مقدمة المدافعين والمقاومين عن كرامتهم ومكتسباتهم التي تحققت بكدِ ودماءِ أبنائهم لكنهم ونتيجةً لمصالح مادية ضيقة، ومنافع شخصية بغيضة تركوا مصيرَ شعبٍ بأكمله عرضةً لشتى أنواع الإرهاب والقتل والتنكيل، وجلسوا في أحضان الأعداء، واثنوا على إرهابهم، ولم يكتفوا بذلك.  لكنهم أصبحوا مطيةً طيعةً في يد الأعداء والمحتلين ينفذون كل ما يطلب منهم بكلِ خسة ودناءة، ليتحولوا إلى أداةٍ رخيصةَ الثمنِ لتدميرِ وتشهيرِ كل جميلٍ ومقدسٍ يخص بني جلدتهم.

وفي هذا السياق يمكننا سوق تراجيديا مأساوية حدثت سابقاً في إمبراطورية ميديا، مذكورةً في كتاب تاريخ هيرودوت، وذكرها القائد عبد الله أوجلان في كتابه (القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية )، وكررت نفسها في مؤامرة وخيانة الاسيتانا حيث يقول آخر الملوك الميديين أستياغ عن سبب انهيار الكونفدرالية الميدية مخاطباً الذي خانه (خربكوس) أو كما هو شائع إلى يومنا هذا في الأوساط الشعبية الكردية (خربو) حيث يخاطب  أستساغ,  خربكوس (خربو) قائلاً:” أيها السافل, لقد خنتني, وقمت بتدمير مملكتي. فليتك جلست مكاني على العرش. وما دمت لم تفعل فليتك تركت المُلوكية في يد الميديين على الأقل. لماذا سلمتها بسفالة لخادمنا البرسي كيروس؟)”.

إن التمعن في هذه السرد التاريخي لواقعٍ حدثَ زمن الكونفدرالية الميدية يمكننا استخلاص نتائج وحقائق حية ومعاشة في واقعنا الحالي، فما أقدم عليه الخربكوسيين في مؤتمر الآستانة كان بكل دقة خيانةً لدماء الشهداء وبكل خسة، فقد سعى مجلس الأنكسي بكل ما لديهم من حقد لضم وحدات حماية الشعب والمرأة الـ YPG- YPJ    في قائمة الإرهاب لفتح أبواب روج آفا لأعداء الشعب الكردي والقضاء على مكتسباتهم، والحيلولة دون تحقيق إرادة الشعوب في تطبيق مشروع الفدرالية الديمقراطية في روج آفا والشمال السوري، نعم فأبناء خربكوس (خربو ) سلسلةٌ مترابطةٌ لا يمكن فصلها عن الصيرورة الطبيعية للتاريخ إلى واقعنا الحالي.

فقد يختلف الزمان ويتغير المكان لكن بذرة الخيانة وشكلها تبقى محافظة على خستها فقط قد تغير من لونها وشكلها، وربما تكون من أهم الأسباب في عدم تطور الحراك الثوري التحرري في كردستان بشكلٍ خاص، وربما التاريخ الكردي مليءٌ بهكذا خيانات لا يسع المجال هنا لذكرها، لكن ما يمكننا التأكيد عليه في هذا السياق بأن الكردايتية والطابع الكردي هكذا كانت، ولا تزال وسيلةً في يد تلك الأوساط والشخصيات الارستقراطية لأحياء ذاتها وأسرها واستخدام الشعارات البراقة لخدمة منافعهم وتمرير أجندات وأهداف مموليهم وصانعيهم. فلم يعد بخافٍ على أحد حجم العِداء الذي يناصبه اردوغان وخدمه في ما يسمى بائتلاف قوى المعارضة للشعب الكردي وبقية المكونات التي تتعايش معه، وتعمل المستحيل للحيلولة دون حصولهم على أية حقوقٍ في روج آفا وسوريا مستقبلاً، وهذا واضحٌ في جميعِ تصريحاتهم وبياناتهم ويطبقونها فعلياً على الساحة، فلم  يوفروا مؤامرةً ولم ينفذوها، ولم يبقوا على فصيلٍ إرهابيٍ ولم يستخدموهم ضد روج آفا والشمال السوري، وكان آخرها التدخل المباشر واحتلال جرابلس، واستقدام وسحب ما تبقى من فصائل إرهابية من حلب وتوجيهها نحو مناطق الشهباء وعفرين ومنبج، فقط لمنع تطبيق مشروع الفدرالية الديمقراطية في الشمال السوري، والذي يعتبر الحل الأنجع للمعضلة السورية، وبمباركة وتشجيع من أبناء خربكوس (خربو) وهذا ما تم مؤخراً في اجتماع ما يسمى بائتلاف قوى المعارضة في اسطنبول، ورفضهم الفدرالية وأي حقوق للشعب الكردي في سوريا مستقبلاً، وبحضورِ زعيمِ ما تبقى من مجلس الأنكسي أو أبناء خربكوس (خربو).

ولكن ما يمكن التنويه والتأكيد عليه بأن إرادة الشعوب ومقاومته كانت دائماً الأقوى والأكثر رسوخاً وتجدداً في المسيرة النضالية لكينونتها ووجودها، وهي طبيعةٌ أصيلةٌ لا يمكن أن تنكسر وتهزم وتحافظ على تطورها وتجددها، وهذا ما يؤكده النضال التحرري للشعب الكردستاني وخاصة بعد ظهور حركة التحرر الكردستانية، فالبطولات والملاحم النضالية جزءٌ لا يتجزأ من فلسفة ومبادئ هذه الحركة المقاومة، فما جرى في سري كانية و كوباني و شنكال ومنبج والآن في الرقة وغيرها ميراثٌ متوارثٌ وارثٌ لكافة الشعوب التواقة لحريتها. أما الخيانات التي حصلت وستحصل على يد أبناء خربكوس (خربو)  فمصيرها الهزيمة ومزابل التاريخ لا يذكروا إلا ليلعنهم الجيل تلو الجيل.

زر الذهاب إلى الأعلى